للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ذلك بما تقدَّم، وبأن الدقيق يجري فيه حكم الرِّبا بالاتفاق، ولا يصدق عليه اسم شيء من تلك الأصناف المذكورة في الحديث.

فإن قيل: دقيق كل صنف منها مردود إلى حَبِّه في حكمه.

قلنا: فهذا اعتراف بأن الحكم لم يتعلَّق بأسمائها، بل بمعانيها، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: مذهب الجمهور في كون حكم الربا يتعلّق بالمعاني، لا بالأسماء لا يخفى رجحانه؛ إذ حكمة النهي عن الربا والمعاملة الباطلة هو المحافظة على أموال الناس؛ لئلا يأكل بعضهم مال بعض بالباطل، وهذا المعنى متحقّق في كلّ ما أشبه هذه الأصناف المنصوص عليها.

والحاصل أن الله -سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ- ما حرّم الربا إلا لحفظ أموال الناس، فكل ما أدى إلى أكل أموالهم بالباطل يدخل في هذا المعنى، ولا يختصّ بالأصناف المنصوص عليها، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

قال: قد اختلفوا في تعيين ذلك المعنى، فقال أبو حنيفة: إن علة ذلك كونه مكيلًا أو موزونًا جنسًا، وذهب الشافعيّ في القديم: إلى أن المعنى: هو أنه مأكول مكيل، أو موزون جنسًا. وفي الجديد هو أنَّه مطعوم جنس، وحُكي عن ربيعة: أن العلة هي: كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، واختلفت عبارات أصحابنا -المالكيّة- وأحسن ما في ذلك أنه هو كونه مقتاتًا، مدخرًا للعيش غالبًا جنسًا. ولبيان الأرجح من هذه العلل والفروع المبنية عليها علم الخلاف، وكتب الفروع. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: تقدّم تحقيق القول في علة الربا، وترجيح الراجح قريبًا، فلا تغفل.

(إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ) أي: إلا في حالة كونهما متساويين، ففيه النهي عن التفاضل (عَيْنًا بِعَيْنٍ) يعني معاينة، ومشاهدة، ففيه النهي عن بيع الغائب بالغائب، أو بالحاضر، وهذا معنى ما سبق بلفظ: "ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز".


(١) "المفهم" ٤/ ٤٧٤.
(٢) "المفهم" ٤/ ٤٧٤.