أما إذا ملك الإنسان عبدًا بكماله، فأعتق بعضه، فيعتق كلّه في الحال، بغير استسعاء، هذا مذهب الشافعيّ، ومالك، وأحمد، والعلماء كافّة، وانفرد أبو حنيفة، فقال: يستسعى في بقيته لمولاه، وخالفه أصحابه في ذلك، فقالوا بقول الجمهور، وحَكَى القاضي أنه رُوي عن طاوس، وربيعة، وحماد، ورواية عن الحسن كقول أبي حنيفة، وقاله أهل الظاهر، وعن الشعبيّ، وعبيد الله بن الحسن العنبريّ أن للرجل أن يُعتق من عبده ما شاء، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه اللهُ (١).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن مذهب القائلين بالاستسعاء هو الحقّ؛ لصحّة حديث الاستسعاء على الراجح الذي هو مذهب الشيخين، والمحقّقين كما يأتي تحقيقه في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في الجمع بين حديث ابن عمر المتقدّم في الباب الماضي، وبين حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور هنا:
قال الإمام البخاريّ رحمه اللهُ في "صحيحه" ٢/ ٨٩٣: "باب إذا أعتق نصيبًا في عبد، وليس له مال استُسعي العبد، غير مشقوق عليه، على نحو الكتابة"، ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا، ثم قال: تابعه حجاج بن حجاج، وأبان، وموسى بن خلف، عن قتادة … اختصره شعبة. انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "باب إذا أعتق نصيبًا في عبد إلخ": أشار البخاري بهذه الترجمة إلى أن المراد بقوله، في حديث ابن عمر:"وإلا فقد عَتَق منه ما عَتَق"؛ أي: وإلا فإن كان المعتِق لا مال له، يبلغ قيمة بقية العبد، فقد تنجّز عتق الجزء الذي كان يملكه، وبقي الجزء الذي لشريكه على ما كان عليه أوّلًا، إلى أن يستسعى العبد في تحصيل القدر الذي يخلص به باقيه من الرِّقّ، إن قوي على ذلك، فإن عَجَّز نفسه، استمرت حصة الشريك موقوفة، وهو مصير منه إلى القول بصحة الحديثين جميعًا، والحكم برفع الزيادتين معًا، وهما قوله في حديث ابن عمر:"وإلا فقد عتق منه ما عتق"، وقد تقدم بيان من