للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يعني أن الجيّد لا يجزم بـ"إذا ما" كما لم يجزم في هذا البيت.

والمعنى أنهم إذا سمعوا شيئًا من الأمور، فيه أمن، نحو ظَفَر المسلمين، وقتل عدوّهم، {أَوِ الْخَوْفِ} وهو ضدّ هذا {أَذَاعُوا بِهِ} أي: أفشَوْه، وأظهروه، وتحدّثوا به قبل أن يَقِفُوا على حقيقته، فقيل: كان هذا من ضَعَفة المسلمين عن الحسن (١)؛ لأنهم كانوا يُفشون أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويظنون أنهم لا شيء عليهم في ذلك، وقال الضحاك، وابن زيد: هو في المنافقين، فنُهُوا عن ذلك؛ لما يلحقهم من الكذب في الإرجاف.

وقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} أي: لم يُحدِّثوا به، ولم يُفشوه حتى يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يحدث به، ويفشيه، أو أولو الأمر، وهم أهل العلم والفقه، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما، وقال السّدّيّ، وابن زيد: الولاةُ، وقيل: أمراء السرايا {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه؛ أي: لعلموا ما ينبغي أن يُفْشَى منه، وما ينبغي أن يُكْتَمَ، والاستنباط مأخوذ من استنبَطتُ الماءَ: إذا استخرجته، والنَّبْطُ: الماء المستنبط أوّلَ ما يَخرُج من ماء البئر أوّلَ ما تُحْفَر، وسُمّي النَّبَط نَبَطًا لأنهم يستخرجون ما في الأرض، والاستنباط في اللغة: الاستخراج، وهو يدلّ على الاجتهاد، إذا عُدِم النصّ، والإجماع. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها، ويُفشيها، ويَنشرها، وقد لا يكون لها صحة، وقد أخرج مسلم في "مقدمة صحيحه"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع".

وفي "الصحيحين" عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أن رسول الله نَهَى عن قيل


= بناشط قد ذُعر من صائد، أو سبع، والناشط: الثور يخرج من بلد إلى بلد، فذلك أوحش له، وأذعر.
(١) أي هذا القول محكيّ عن الحسن البصريّ رحمه الله.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ٥/ ٢٩١ - ٢٩٢.