للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية للبخاريّ: "اللهمّ جنّبني" بالإفراد (الشَّيْطَانَ) وزنه فَيْعالٌ، إذا كان من شَطَنَ، وفَعْلانُ، إذا كان من شاط، وقال الزمخشريّ: وقد جعل سيبويه نون الشيطان في موضع من كتابه أصلية، وفي آخر زائدة، والدليل على أصالتها قولهم: تشيطن، واشتقاقه من شَطَن: إذا بَعُد؛ لبعده من الصلاح والخير، أو من شاط: إذا بطل، إذا جُعِلت نونه زائدة (١).

(وَجَنِّب الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) أي من الولد، وفي حديث أبي أمامة عند الطبرانيّ: "جنّبني، وجنّب ما رزقتني من الشيطان الرجيم" (فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ) وفي رواية للبخاريّ: "ثم قُدِّر بينهما ولدٌ، أو قُضِي ولد"، قال في "الفتح": كذا بالشكّ، وفي رواية سفيان بن عيينة، عن منصور: "فإن قَضَى الله بينهما ولدًا"، ومثله في رواية إسرائيل، وفي رواية شعبة: "فإن كان بينهما ولدٌ"، وفي رواية همام: "فَرُزقا ولدًا". انتهى (٢).

وقوله: (فِي ذَلِكَ) أي ذلك الإتيان، يعني أن امرأته حَمَلت من ذلك الجماع الذي قال فيه هذا الذكر (لَمْ يَضُرَّهُ) قال في "العمدة": يجوز ضم الراء، وفتحها، ويقال: الضم أفصح، قال: يجوز في مثل هذه المادة ثلاثة أوجه: الضم؛ لأجل ضمّه ما قبلها، والفتح؛ لأنه أخف الحركات، وفكّ الإدغام، كما عُلِم في موضعه، فافهم. انتهى (٣).

(شَيْطَانٌ أَبَدًا") قال في "العمدة": أي لم يضر الشيطان الولد، يعني لا يكون له عليه سلطان ببركة اسمه، بل يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: ٦٥]، ويقال: يَحْتَمِل أن يؤخذ قوله: "لم يضره" عامًّا، فيدخل تحته الضرر الدينيّ، ويَحْتَمِل أن يؤخذ خاصًّا بالنسبة إلى الضرر البدنيّ، بمعنى أن الشيطان لا يتخبطه، ولا يداخله بما يضر عقله وبدنه، وهو الأقرب، وإن كان التخصيص خلاف الأصل؛ لأنا إذا حملناه على العموم اقتضى أن يكون الولد معصومًا عن المعاصي، وقد لا يتفق ذلك، ولا بُدّ من وقوع ما أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أما إذا


(١) راجع: "عمدة القاري" ٢/ ٢٦٧.
(٢) "الفتح" ١١/ ٥١٦.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ٢٦٧.