للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كان يلزمه أن يجعل الجزاء على المحرم إذا قطع شيئًا من شجر الحلّ، ولا قائل به، وقال ابن العربيّ: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقله أبو ثور عنه، وأجاز أيضًا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرّها، ولا يهلكها، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، وغيرهما، وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه، فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور، لهذا الحديث، وصححه المتولي من الشافعيّة، وأجابوا بأن القياس المذكور في مقابلة النصّ، فلا يعتبر به، حتى ولو لم يرد النصّ على تحريم الشوك، لكان في تحريم قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك؛ لأن غالب شجر الحرم كذلك، ولقيام الفارق أيضًا، فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى، بخلاف الشجر، قال ابن قدامة: ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقطع من الشجر بغير صنع آدميّ، ولا بما يسقط من الورق. نصّ عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافًا.

٥ - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أن لقطة مكة لا تلتقط للتملّك، بل للتعريف خاصّة، وهو قول الجمهور، وإنما اختصَّ بذلك عندهم لإمكان إيصالها إلى ربّها؛ لأنها إن كانت للمكيّ فظاهر، وإن كانت للآفاقيّ، فلا يخلو أفق غالبًا من وارد إليها، فإذا عرّفها واجدها في كلّ عام سهل التوصّل إلى معرفة صاحبها، قاله ابن بطال. وقال أكثر المالكية، وبعض الشافعية: هي كغيرها من البلاد، وإنما تختصّ مكة بالمبالغة في التعريف لأن الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود، فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف.

٦ - (ومنها): أن بعضهم استدلّ بهذا الحديث على اشتراط الإحرام على من دخل الحرم. قال القرطبيّ: معنى قوله: "حرّمه الله" أي: يحرم على غير المحْرم دخوله حتى يُحرم، ويَجري هذا مجرى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] أي: وطؤهنّ، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] أي: أكلها، فعُرف الاستعمال يدلّ على تعيين المحذوف، قال: وقد دلّ على صحة هذا المعنى اعتذاره - صلى الله عليه وسلم - عن دخوله مكة غير محرم، مقاتلًا بقوله: "لم تحلّ لي إلا ساعة من نهار" الحديث.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وهذا الاستدلال بعيد، وسيأتي بعد باب