وحجة مالك في إدخال الهدي من الحل إلى الحرم، أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك فعل، وقال:"خذوا عني مناسككم". وقال الشافعي: التعريف سنّة مثل التقليد، وقال أبو حنيفة: ليس التعريف بسنة، وإنما فعل ذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن مسكنه كان خارج الحرم، وروي عن عائشة التخيير في تعريف الهدي أو لا تعريفه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح قول من قال باستحباب التعريف؛ اتباعًا لفعل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما القول بالوجوب فيحتاج إلى دليل، وليس حديث:"خذوا عنّي مناسككم" دليلًا على الوجوب؛ لأنهم متّفقون في أشياء على أنَّها مستحبّة مع أن الحديث يشملها، والله تعالى أعلم.
وأما محله فهو البيت العتيق، كما قال تعالى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٣٣] وقال: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥]، وأجمع العلماء على أن الكعبة لا يجوز لأحد فيها ذبح، وكذلك المسجد الحرام، وأن المعنى في قوله:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أنه إنما أراد به النحر بمكة؛ إحسانًا منه لمساكينهم وفقرائهم. وكان مالك يقول: إنما المعنى في قوله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} مكة. وكان لا يجيز لمن نحر هديه في الحرم إلَّا أن ينحره بمكة. وقال الشافعي، وأبو حنيفة: إن نحره في غير مكة من الحرم أجزأه، وقال الطبري: يجوز نحر الهدي حيث شاء المهدي، إلَّا هدي القران، وجزاء الصيد، فإنهما لا ينحران إلَّا بالحرم.
وبالجملة فالنحر بمنى إجماع من العلماء، وفي العمرة بمكة إلَّا ما اختلفوا فيه من نحر المحصر. وعند مالك إن نحر للحج بمكة، والعمرة بمنى أجزأه، وحجة مالك في أنه لا يجوز النحر بالحرم إلَّا بمكة قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وكل فجاج مكة وطرقها منحر"(١)، واستثنى مالك من ذلك هدي الفدية، فأجاز ذبحه بغير مكة.
وأما متى ينحر؟، فإن مالكًا قال: إن ذبح هدي التمتع، أو التطوع قبل يوم النحر لَمْ يجزه، وجوّزه أبو حنيفة في التطوع، وقال الشافعي: يجوز في