وقوله:(فَأَبَوْا عَلَيْهِ) أي: امتنعوا عليه من مناولته له؛ لكونهم محرمين، ففي رواية أبي عوانة:"فإذا حمار وحشٍ، فركبت فرسي، وأخذت الرمح، والسوط، فسقط منّي السوط، فقلت: ناولوني، فقالوا: ليس نعينك عليه بشيء، إنا محرمون".
وفي رواية للبخاريّ:"فحملت عليه"، وفي رواية:"فقمت إلى الفرس، فأسرجته، ثم ركبت، ونسيت السوط والرمح، فقلت: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا والله، لا نعينك عليه بشيء، فغضبت، فنزلت، فأخذتهما، ثم ركبت". وفي رواية:"فركب فرسًا يقال له: الجرادة، فسألهم أن يناولوه سوطه، فأبوا، فتناوله"، وفي رواية:"وكنت نسيت سوطي، فقلت لهم: ناولوني سوطي، فقالوا: لا نعينك عليه، فنزلت، فأخذته"، وعند ابن أبي شيبة:"فاختلس من بعضهم سوطًا".
قال الحافظ: والرواية الأولى أقوى، ويمكن الجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرًا، فأخذ سوط غيره، واحتاج إلى اختلاسه؛ لأنه لو طلبه منه اختيارًا لامتنع. انتهى.
وفيه دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد.
وقوله:(ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ) أي: حمل عليه.
وقوله:(فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبَى بَعْضُهُمْ) في رواية: "فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا"، قال الحافظ: قد تقدّم من عدّة أوجه أنهم أكلوا، والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم، ثم طرأ عليهم الشكّ، كما في لفظ عثمان بن موهب، عن عبد الله بن أبي قتادة عند البخاريّ:"فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل من لحم صيد، ونحن محرمون؟ "، وأصرح من ذلك رواية أبي حازم عند البخاريّ في "الهبة" بلفظ: "ثم جئتُ به، فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكُّوا في أكلهم إياه، وهم حُرُم".