الأوسط"، قال في "الفتح": هكذا وقع في أكثر الروايات، والمراد بالعشر الليالي، وكان من حقّها أن توصف بلفظ التأنيث، لكن وُصِفت بالمذكر على إرادة الوقت، أو الزمان، أو التقدير الثلث، كانه قال: الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر، ووقع في "الموطأ": "العشر الوُسُط" بضم الواو والسين: جمع وُسْطَي، ويروى بفتح السين مثل كُبَر وكبْري، ورواه الباجيّ في "الموطأ" بإسكانها على أنه جمع واسط، كبازل وبُزْل، وهذا يوافق رواية "الأوسط". انتهى (١).
وقوله:(فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية مالك: "حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه".
قال في "الفتح": وظاهره يخالف رواية الباب، ومقتضاه أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين، وهو مغاير لقوله في آخر الحديث: "فأبصرت عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى جبهته أثر الماء والطين، من صبح إحدى وعشرين"، فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين، ووقوع المطر كان في ليلة إحدى وعشرين، وهو الموافق لبقية الطرق، وعلى هذا فكان قوله في رواية مالك المذكورة: "وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها" أي: من الصبح الذي قبلها، ويكون في إضافة الصبح إليها تجوّز.
وقد أطال ابن دحية في تقرير أن الليلة تضاف لليوم الذي قبلها وَرَدَّ على من منع ذلك، ولكن لَمْ يُوَافَق على ذلك، فقال ابن حزم: رواية ابن أبي حازم، والدراورديّ يعني عند البخاريّ مستقيمة، ورواية مالك مشكلة، وأشار إلى تأويلها بنحو مما ذكرته.
ويؤيده ما سبق في رواية محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بلفظ: "فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلةً، ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه"، وهذا في غاية الإيضاح.
وأفاد ابن عبد البرّ في "الاستذكار" أن الرواة عن مالك اختَلَفُوا عليه في لفظ الحديث، فقال بعد ذكر الحديث: هكذا رواه يحيى بن يحيى، ويحيى بن