للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(أحدها): قال المازريّ: هو مجاز، واستعارة؛ لأنه جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيّبة منا، فاستعير ذلك في الصوم؛ لتقريبه من الله تعالى. انتهى. فيكون المعنى: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك عندكم؛ أي إنه يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وذكر ابن عبد البرّ نحوه.

(الثاني): أن معناه أن الله تعالى يجزيه في الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك؛ كما يقال في المكلوم في سبيل الله: "الريح ريح المسك". حكاه القاضي عياض.

(الثالث): أن المعنى أن صاحب الخُلُوف ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا، لا سيّما بالإضافة إلى الخلوف، وهما ضدّان. حكاه القاضي عياض أيضًا.

(الرابع): أن المعنى أنه يُعتدّ برائحة الخلوف، وتدّخر على ما هي عليه أكثر مما يعتدّ بريح المسك، وإن كانت عندنا بخلافه. حكاه القاضي عياض أيضًا.

(الخامس): أن المعنى أن الخلوف أكثر ثوابًا من المسك، حيث ندب إليه في الجُمَع والأعياد، ومجالس الحديث والذكر، وسائر مجامع الخير. قاله الدا وديّ، وابن العربيّ، وصاحب "المفهم"، وبعض الشافعيّة، قال النوويّ: إنه الأصحّ.

(السادس): قال صاحب "المفهم": يَحْتَمِل أن يكون ذلك في حقّ الملائكة، يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك. انتهى كلام وليّ الدين (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه الأقوال كلها ساقطة، لا أثارة عليها من علم، بل هي مبنيّة على هواء الهوى الفاسد، والتشبيه المتخيّل الكاسد، وليس فيها عن السلف شيء، بل كلها جاءت عن متأخري الأشاعرة، ومن سار على دَرْبهم، فإن الله سبحانه وتعالى حينما أنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" لم يأمره ببيان كونه من المتشابه، وأن ظاهره


(١) "طرح التثريب" ٤/ ٩٥ - ٩٦.