للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المكان الذي جلس فيه ابن عبّاس - رضي الله عنهما - كان أرفق به من الجلوس إلى جنب ابن عمر - رضي الله عنهما -، أو اختار أن لا يقيم ابن أبي مليكة من مكانه، ويجلسَ فيه؛ للنهي عن ذلك.

(فَإِذَا) هي الفُجائيّة؛ أي: ففاجأنا (صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ) أي: من بكاء النساء، ففي رواية النسائيّ: "فبكين النساءُ" (فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) - رضي الله عنهما - (كَأَنَّهُ يَعْرِضُ) بفتح أوله، وكسر ثالثه، من باب ضرب، قال في "القاموس": عَرَضَ عليه الشيءَ: أراه إياه. انتهى (١). والمعنى كأنّ ابن عمر - رضي الله عنهما - يذكر هذا الحديثَ؛ ليَعْرِضَ هذا الصوت (عَلَى عَمْرِو) بن عثمان، ويُريه إياه؛ لأجل (أَنْ يَقُومَ) من مجلسه (فَيَنْهَاهُمْ) أي: ينهى أهل الدار عن رفع صوتهم بالصياح والعويل، وقوله: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) مقول "فقال ابن عمر".

وفي رواية البخاريّ: "فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال"، وفي رواية النسائيّ: "فقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: ألا تنهى هؤلاء عن البكاء، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".

ففي هذه الرواية التصريح بأن ابن عمر - رضي الله عنهما - سمعه بنفسه، ويُجمع بينها وبين ما تقدّم من أنه سمعه من أبيه عمر - رضي الله عنه - باحتمال أنه سمعه من أبيه أوّلًا، ثم يسمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فكان يحدّث بهما، والله تعالى أعلم.

(يَقُولُ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ") زاد في بعض النسخ: "عليه" (قَالَ) ابن أبي مليكة: (فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ اللهِ مُرْسَلَةً) أي: أطلق عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - هذه الجملة، ولم يقيّدها بشيء مما قيّد به غيره.

وقال النوويّ رحمه الله: معناه أن ابن عمر - رضي الله عنهما - أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحيّ، ولم يقيده بيهوديّ، كما قيدته عائشة - رضي الله عنها -، ولا بوَصِيّة، كما قيّده آخرون، ولا قال: "ببعض بكاء أهله"، كما رواه أبوه عمر - رضي الله عنه -. انتهى (٢).


(١) راجع: "القاموس" ٢/ ٣٣٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٦/ ٢٣١.