والرأي المدخول ... لا يعني بهذا التعريض وبهذه الصفة أحداً سوى قاضي القضاة المعتزلي عبد الجبار».
ثمَّ نقل شيخنا عبارة القاضي عبد الجبار من الجزء السادس عشر من «المغني»، وهي:«أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر بالضم على طريقة مخصوصة». وهي التي حكاها الشيخ عبد القاهر، ولم ينسبها لأحد على التعيين.
أرأيت؟ هذا كتاب «المغني في أباب التوحيد والعدل» كتاب في أصول فكر المعتزلة وهو داخل في علم الكلام، فما أبعده في تقسيم العلوم وفهارس الكتب عن علم البلاغة! ولكن الكتب العربية تتنادى وتتواصل، وهكذا يعلمنا أستاذنا محمود محمد شاكر كيف تلتمس المعرفة من مظانها ومن غير مظانها، ولن يكون ذلك إلا بالذي ذكرته لك من النظر للمكتبة العربية على أنها كتاب واحد، ثم بالصبر على القراءة، والأخذ في الكتاب قراءة ودرساً إلى غايته ومنتهاه.
٢ - والمثال الثاني: عرض لي في بعض تحقيقاتي هذان البيتان الشهيران:
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره ... وقد أجلّك من يعصيك مستترا
وكانا عندي غير منسوبين فأردت نسبتهما. وأول ما يهرع إليه المحقق في ذلك كتب الأدب، لا سيما تلك التي تتحدث عن العفو والاعتذار. وفي مكتبتي كتاب بذلك العنوان «العفو والاعتذار» لأبي الحسن العبدي، صاحب ابن دريد اللغوي، فنظرت فيه، فوجدت البيتين، ولكن بغير نسبة أيضاً، فأخذت في البحث حتى انتهيت إلى أنهما لهلال بن العلاء الرقي، وذلك في ترجمته من كتاب «سير أعلام النبلاء» للحافظ الذهبي (وينسبان على ضعف للبحتري). وهذا كتاب «سير أعلام النبلاء» معدود في كتب التراجم، فيا بعد ما بينه وبين كتب الأدب في تصنيف العلوم!
وإذا قد انتهيت من تقرير هذه الحقائق، على سبيل الوجازة والاختصار أقول: إن هذا المطبوع من تراثنا - على ضخامته وازدحام المكتبات به - لا يمثل الصورة