لكن فريدريش لم يذكر موضوعاً من هذه الموضوعات إلا وقد فحصه ودقق فيه وتأكد من قيمة البيانات الواردة بخصوصه أو عن طريق من يوثق بهم، وكان هذا يجري مجرى مذهب ابن البيطار النباتي العربي حيث ذكر في مقدمة كتابه الجامع المفردات الأدوية والأغذية. «صحة النقل فيما أذكره عن الأقدمين وأحرره عن المتأخرين، فما صح عندي بالمشاهدة والنظر وثبت لدى بالخبر لا الخبر ... وما كان مخالفاً في القوى والكيفية والمشاهدة الحسية في المنفعة والماهية للصواب والتحقيق أو أن ناقله أو قائله عدل فيه عن سواء الطريق نبذته ظهراً وهجرته ملياً».
وقد ترجم فيلسوف القصر «ميخائيل سكوتوس» علم الحيوان لأرسطو وشرح ابن سينا إلى القيصر العالم، من اللغة العربية، كما قرأ القيصر في اللغة العربية كتباً حول الصقور والصيد بها، كما قرأ الرسالة التي وضعها مدرب صقوره وهو العربي مؤمن. وقد تأثر القيصر كثيراً في هذا الاتجاه بالمراجع العربية المختلفة التي اطلع عليها وبالرغم من ذلك كان مستقلاً في رأيه وتفكيره فلم يكن من السهل عليه قبول أي رأي أو الأخذ به ما لم يقتنع هو به وبصحبته «لقد اتبعنا أرسطو حيث تقضي الضرورة بذلك، لكن في كثير من الحالات التزمنا ما علمتنا إياه التجارب وبخاصة في الطبيعة. إن طيوراً خاصة أخطأ أرسطو في حكمه عليها، وفيما قاله عنها لذلك خالفنا أمير الفلاسفة وعارضناه في كل ما ذكره، وذلك لأن أرسطو لم يسبق له صيد العصافير أو نادراً ما مارسه. أما نحن فقد أحببنا هذا الصيد ومارسناه كثيراً».
إن جميع هذه المعلومات وتلك التجارب قد حصلها في أحسن مدرسة عربية حيث لا غموض ولا إبهام، إننا لا نجد هنا ذلك الظلام الدامس فكل شيء نراه واضحاً وحراً، فجميع فروع العلوم والفكر في متناول التجارب والملاحظات. هنا كل شيء منظم ويتبع طريقة واحدة ويبحث في شيء من الدقة والعناية ولا يصدر الحكم ارتجالاً ودون ترو. وهذا الموقف من البحث العلمي والدقة في إصدار الأحكام كان إشباعاً للذة التي كان يشعر بها الباحث عند إدراكه كنه هذه الظواهر الطبيعية ونشأتها ووحدتها المستقلة وقوتها التي تؤثر فيها، وهذه الحقائق وتلك النتائج تستحق حقاً أن يتغاضى الإنسان عن المؤثرات الخارجية التي تؤثر في هذه المظاهر الطبيعية. وعوضاً عنها يهتم الإنسان بالأسباب والمسببات.