للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فبدرت كلمات فريدريش وكأنها رعد وبرق في ذلك المجتمع الساذج: إن هدفنا هو إظهار الأشياء كما هي في حالتها الطبيعية الحقيقية.

فهذه الكلمات وهذا الصنيع الذي سبقها وهداها كان نقطة التحول في موقف أوربا ونظرتها إلى العالم والتعرف إلى كنهه وحقيقته.

إن هذا القيصر المثقف العالم العظيم الذي كان مشغوفاً بالاطلاع مقبلاً عليه فضلاً عن هذه المقدرة العلمية التي اكتسبها منذ طفولته، كان. بالرغم من ذلك. لا يثق في المكتوب بقدر ما يثق في عينيه، كما أن الإنسان لا يحصل على شيء حقيقي يقيني عن طريق السمع. إن حديقة الحيوان هي خير ما يقدم للإنسان البصير الحقائق، كما يطلق عليه ذلك العرب، عن طريق النظر إلى الكائنات وطرق حياتها وعاداتها فقط، إنه يتأمل عصافيره في جنته التي شيدها لها، وفي دقة وعناية وصبر لا يعرف الملل والكلل يشبه ذلك الذي يستخدمه الفلكي العربي عندما يتتبع حركات النجوم وجريانها. إنه يصف تشريح الطير وعاداته وطيرانه وصفاً دقيقاً واضحاً وطبياً، يشبه ذلك الذي يجريه الأطباء العرب على مرضاهم وهم على سرر الموت.

وكتابه عن: «حول فن الصيد بواسطة الصقور» الذي وضعه استجابة لرغبة ابنه منفريد» - بالرغم من كثرة الوقت والجهد اللذين يتطلبهما تأليف مثل هذا الكتاب من السنين العديدة والدقة والعناية. هذا الكتاب يحوي أكثر مما يدل عليه عنوانه. إنه كتاب خاص بعلم الطيور ودراستها دراسة علمية دقيقة؛ والشيء الجدير بالذكر أن هذا الكتاب ظهر في ثوب لم يكن يحلم به المؤلف، وهو طليعة العلم التطبيقي الحديث.

فكل ما يذكره هذا الكتاب يعتمد على تجارب المؤلف الخاصة أو تجارب آخرين حيث لا يستطيع فريدريش الملاحظة أو إجراء التجارب. وفي تلك الحالات كان يكلف باحثين خصوصيين يعتمد عليهم ولم يكن يبخل عليهم بالمال اللازم حيث يتصل الأمر بالعلم والمعرفة، وأحياناً كان يحصل على المعلومات التي يريدها عن طريق اتصاله بالأمراء العرب الذين كانوا يقدرون أهمية البحوث العلمية ويغرمون بها وبخاصة في مصر أو في جهات أخرى.

<<  <   >  >>