يتجمل في لبسه وزيه ويجعل له مجلسا بأبهة لأجل الرسول، وذلك لما يعرفه عن ابن يونس أنه كان يلبس ثياباً رثة بلا تكلف وما عنده خير من أحوال الدنيا فقال: نعم. حكى جلال الدين قال: فكنت عنده وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة فبعث من تلقاه، فلما حضر عند الشيخ نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة. ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها. ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه فقلت للشيخ: يا مولانا ما أعجب ما رأينا من تلك الأبهة والحشمة! فتبسم وقال: يا بغدادي هو العلم».
وفي عصر متأخر ظهر طالب آخر من أولئك المتحمسين لأستاذ آخر في الموصل، كان يحسد كمال الدين للشهرة التي بلغها وكان قد علم عن هذا الحدث الذي وقع الكمال الدين عن طريق السماع فقط، إلا أنه ما زال ذاكراً صعوبة المسائل العويصة التي تقدم بها الإمبراطور إلى العلماء العرب، وقد أثارت هذه المسائل كثيراً من الاهتمام.
ومن أهم الأشياء التي سمعها من كمال الدين أنه أيام حكم الكامل أرسل الإفرنج إلى سوريا بعض المسائل أرادوا منه (كمال الدين) حلها، وهي تتناول مختلف المواضيع من طبية وفلسفية ورياضية. وقد استطاع علماء سورية حل المسائل المتعلقة بالطب والفلسفة. أما المسائل الرياضية فقد عجزوا عن حلها إلا أن الملاك الكامل أصر على وجوب حلها، لذلك أرسلها إلى الموصل إلى المفضل بن عمر أستاذنا، وقد كان في العلوم الهندسية بارعاً جداً وبالرغم من ذلك لم يكن من اليسير عليه حلها فعرض المسائل على الشيخ ابن يونس. وبعد تفكير استطاع حلها وأرسلها إلى الملك الكامل في سوريا.
ووجود شخص يستطيع أن يوجه مثل هذه المسائل العويصة دليل قوي على أن السائل قد بلغ مستوى العرب علماً وثقافة، وهذه حقيقة سلم بها العرب. لقد أمطر هذا الرجل العجيب الذي كان يتربع على عرش أوربا أمراء العرب بكثير من الأسئلة وبعضها قد حفظه لنا الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، وقد