وقد تحدث العرب أنفسهم عن هذه المعاملة، ومن المهم جداً أن نشاهد القيصر بعيون عربية ونقرأ تقديراً عربياً أوحت به أخلاق وصفات وعبقرية هذا الملك الإفرنجي، كما ندرك من خلال هذا التقدير العربي الأهمية الكبرى التي علقها العرب على اختيار هذه البعثة التي زارته والعناية القصوى في اختيارها. وذلك لأن مثل هذه البعثة يجب ألا يكون مستوى أعضائها أقل من مستوى بعوث القيصر إلى الأمراء العرب. ومن العبارات العربية نتبين كيف أن هذه البعثة قد وفدت على عالم فاضل لا يقل علماً ومعرفة عن أكبر أستاذ علم في الموصل.
وذكر ابن أبي أصيبعة في ترجمته لكمال الدين بن يونس ما نصه:
هو كمال الدين أبو عمران موسى بن يونس بن محمد بن ... علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد أتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وكان عظيماً في العلوم الشرعية والفقه، وكان مدرساً في المدرسة بالموصل ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك. وله مصنفات في نهاية الجودة ولم يزل بمدينة الموصل إلى أن توفي رحمه الله.
حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي قال:
وكان ورد إلى الموصل كتاب الإرشاد للعميدي، وهو يشتمل على قوة من خلاف علم الجدل هو الذي يسميه العجم «جست» أي الشطار، فلما أحضر إلى الشيخ كمال الدين بن يونس نظر فيه وقال: علم مليح ما قصر فيه مؤلفه، وبقي عنده يومين حتى حرر جميع معانيه ثم إنه أقرأه الفقهاء وشرح لهم فيه أشياء ما ذكرها أحد سواه. وقيل إن كمال الدين بن يونس كان يعرف علم الكيمياء من ذلك. حدثني أيضاً القاضي نجم الدين بن الكريدي قال: حدثني القاضي جلال الدين البغدادي تلميذ كمال الدين بن يونس وكان الجلال مقيماً عند ابن يونس في المدرسة قال: كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الأنبرور (كذا بالأصل وهي الأمبرور = الإمبراطور) ملك الفرنج، وكان متفنناً في العلوم - رسول وبيده مسائل في علم النجوم وغير ذلك، وقصد أن كمال الدين بن يونس يرد أجوبتها فبعث صاحب الموصل إلى ابن يونس يعرفه بذلك ويقول له أن