بالليل وبقيس حيطان مدينة نابولي لأنه أراد أن يعرف مقدار المساحة التي تضمها هذه الحيطان.
كذلك موضوع الخلود، فقد شغل فريدريش الثاني كثيراً إلا أنه كان يكتم هذه الرغبة، ثم نجد القيصر الذي حرم من الكنيسة للمرة الثانية يتجه إلى العلماء العرب، فقد أرسل أسئلته إلى مصر وسوريا والعراق والأناضول واليمن ومراكش وسلمها سلطان الموحدين إلى الفيلسوف الشاب ابن سبعين في كوينا، وكانت الفكرة السائدة عند هذا الشاب العربي ابن العشرين أن الإفرنج في درك علمي منحط جداً، وأعتقد أن أسئلة ترد من أمير الجهلاء المسيحيين لا تحتاج إلى كبير عناء للإجابة عنها، وتسلم القيصر هذه الإجابة التي تحمل كل معاني الاستهتار من هذا الفيلسوف الشاب المغرور. وتحمل القيصر هذه الإهانة ضاحكاً وأرسل إليه هدية أزعجته. وهذا الاستهتار من هذا الشاب كان هو الوحيد الذي حدث، وذلك لأن سائر الأمراء والعلماء العرب أدركوا أن توجيه هذه الأسئلة من القيصر تكريماً لهم وتقديراً لمعرفتهم واحتراماً لعقليتهم العربية، لذلك بذلوا كل ما في طاقتهم لإجابة هذا الملك المحترم ملك الإفرنج عن أسئلته الدقيقة.
فتبادل الآراء كان قوياً وكثيراً بالرغم من مشاغل القيصر السياسية والإدارية، وذلك لأن القيصر فريدريش لم ينظر إليها كوسيلة من وسائل شغل الفراغ أو التسلية بل كان الدافع إليها كما يرجح عربي هو اختبار علم المسلمين.
أما العلوم الأوربية والمعرفة الأوربية فقد عجزت عن إشباع رغباته العلمية وإرواء ظمئه إلى المعرفة والتحصيل، فالقيصر كان يؤمن بأن كل ما يجري وكل ما هو كائن إنما هو شيء بدهي، وكان فريدريش يطمع في أن يجد شريكاً له صديقاً يرى في الوجود ما يراه القيصر كما يرى الوجود كما هو، أي كما هو كائن في الحقيقة والواقع.
أما العالم العربي الذي غذاه بعلمه ونشأه فقد باعد بينه وبين أنداده .. ففي العالم العربي كانت المسائل واضحة جلية، ولا توجد أحكام تحد من تفكير رجال الدين. الإسلامي أو من البحث والدرس، لذلك ظل القيصر وحيداً، ولم يجد في عصره