إن أفكار ابن رشد تركت أثراً بعيداً في القيصر فريدريش، إنها هي اللغة التي يتكلم بها القيصر نفسه؛ كلاهما جاءا إلى الوجود وكل يملك حق الدخول المباشر إلى هذا الوجود. كذلك شخصية أخرى شبت وترعرعت في عصر الملك فريدريش وقد تأثرت بابن رشد تأثيراً قوياً بالرغم من معارضتها له.
توماس فون أكوين، جراف فون أكيرا، سفير فريدريش الثاني في بلاط السلطان الكامل وحاكم القدس، كان له حفيد وابن أخ يسميان بنفس الاسم. أما حفيده توماس الصغير فهو ابن المستشار «أدينولف» في صقلية، وقد تربى مع أخيه يعقوب، وهو الشاعر الذي ظهر فيما بعد كغلام يتعلم الفروسية في القصر ثم تزوج «مرجريت» ابنة القيصر فأصبح بذلك زوج ابنة القيصر فريدريش الثاني. وأما ابن أخيه الأكبر والمسمى أيضاً توماس فهو ابن المستشار القضائي «لندولف» فون «أكوين»، وأخوه «رينالد» الذي أصبح مثل ابن عمه شاعراً ينظم الشعر على منوال الشعراء العرب فقد تربى تربية تؤهله أن يكون نبيلاً. غير أن ميوله كانت دينية فآثر أن يكون رجل دين إلا أن أسرته كانت تعارض فيه هذا الاتجاه؛ لذلك لجأت إلى القيصر ترجوه أن يستعمل نفوذه لإثنائه عن عزمه. لكن «رينالد» لجأ إلى قاضي قضاة القصر وهو «بطرس فون فينيا» راجياً مساعدته واستطاع الهرب. لكن القدر أراد شيئاً آخر. فقد التحق توماس بجامعة نابولي وأصبح من أكبر رجال الكنيسة الرومانية إذ حصل على لقب «دكتور أنجيليكوس».
أما المجادلات التي قامت حول أرسطو وداعيته ابن رشد فقد أثارت انتباه الكثيرين ولم يستطع توماس أن يقف منها موقفاً سلبياً، ومما أثار الدهشة أن توماس خصمه أقره ووافقه على ما ذهب إليه في كثير من شروحه وتأويلاته، بل لم يقف توماس عند هذا فقط بل أخذ بوجهات نظر ابن رشد التي أفادت كثيراً فيما بعد في المجادلات التي قامت بين المسلمين والمسيحيين، وقد أقر علماء الطائفتين ما ذهب إليه ابن رشد، ومن هنا نشأت الهزلية التي جعلت قديساً من هذا الشخص الذي كان متأثراً تأثيراً قوياً بزندقة القيصر، وهو يعتبر كابن للقيصر ومن أخلص المخلصين للأسرة القيصرية، هذا الشخص أعلنته الكنيسة قديساً، وهو أحد الآباء البررة