للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لماذا تظاهر فريدريش وكأنه المسلم المؤمن الحقيقي؟ إنها حيلة دبلوماسية عظيمة أن يتقدم للمفاوضات في الشرق وهو في زي شرقي وتحيط به حاشية شرقية. إنها خدمة عظيمة لأن يفاوض السلطان كسلطان وبتقاليد سلطانية.

والرحلة التي سبق أن وعد القيصر في «إكس لاشبل» بالقيام بها نفذها، لكن ليس لسبب ديني، إنها رحلة كما وصفها لأصدقائه العرب في غير حياء أو خجل ذات فائدة سياسية هامة له، وكان يتمنى أن يزور الشرق العربي، هذا الشرق الذي كان يؤمن بعظمته ورقيه وتفوقه، كما كان يحترم العرب ويعجب بهم كثيراً ويشعر بفضلهم العظيم عليه وكم هو مدين لهم، دين العالم لهم أيضاً، فرحلته إلى العالم العربي ستمكنه من الاجتماع بأنداده.

لذلك لم تكن الدبلوماسية فقط هي التي دفعته إلى تبادل الهدايا والدخول في محاورات ومساجلات في الفروسية من العرب، إنما كان يريد أن يثبت أنه ليس أقل من العرب شأناً؛ والواقع أن هذه النوايا قد ظهرت واضحة وتجلت عندما حرص سلطان مصر على المحافظة على الشعور الديني للقيصر، فأمر المؤذن في القدس أن يتوقف عن الأذان طيلة إقامة القيصر؛ كما نجد السلطان يعين القاضي شمس الدين مرافقاً للإمبراطور وملازماً له طيلة مدة ضيافته وإقامته في القدس؛ فدار حديث بين القيصر والقاضي: «أيها القاضي لماذا لا يؤذن المؤذنون للصلاة؟ » فأجابه القاضي: «يا ملك الملوك إننا نعرف كيف نقدر زيارتكم» فتألم القيصر وقال له: «إنكم تأتون ظلماً في بلدكم ووطنكم من أجلى وذلك بتغييركم عاداتكم وتقاليدكم، إنكم لستم في حاجة إلى هذه المخالفات لو كنتم في بلادي؛ وعلاوة على ذلك فقد سرني جداً سماع المؤذن ليلاً».

إن الرحلة إلى بلاد العجائب كانت للتسلية بالنسبة للآخرين، لكن القيصر كان ينظر إليها وكأنها عودة إلى مصدر ووطن عقليته وثقافته التي تثقف بها، فرحلته هذه تفتح الآن له عينيه وبصيرته، وعند عودته إلى مملكته سيراعى تجاربه التي جمعها ويحاول تطبيقها.

لقد أقام في القدس يومين إلا أنه بالرغم من ذلك شاهد قبة الصخرة المقدسة

<<  <   >  >>