كذلك نجد الطفل العربي العريض الجبين المتألق العينين والذي تبدو على محياه دلائل الفطنة والذكاء ينال رضاء القيصر عندما شاهده واقفا بين الخدم، وهو ابن جارية مسلمة ووالد مسلم من البربر القاطنين في جبال مراكش فيسر له السبيل وفتح الطريق أمامه حتى بلغ أرقى مناصب الدولة. وكان هذا الطفل يسمى «جيوفيني» ويلقب «آل مورو» أي المسلم. وورد في المذكرات تحت اسم «يوحنيس موروس» وهو الذي اشتهر بإتقانه عدة لغات مما حدا بالقصر إلى ترقيته بسرعة فبعد أن كان أمين القصر رقاه إلى وظيفة كاتم أسرار المجلس الاستشاري القيصري. ومثل هذا «المسلم» مثل «جورج الأنطاكي» العربي الذي حاز ثقة الملك روجير الثاني فرقاه إلى أعلى منصب الدولة، ثم أقطعه عدداً من الضياع.
ولم يكن حظ «المسلم» أيام القصر فريدريش الثاني أقل من حظه أيام الملك كونراد، ففي عهده تولى علاوة على أمانة القصر محافظة مدينة «لوكيرا» مسقط رأسه، ومن ثم رقاه إلى وظيفة كبير أمناء المملكة الصقلية. فهذا التدرج في الرقي الذي يشبه إطلاق الصواريخ والذي بلغه هذا العربي الفقير الأصل تلاشي في أقل من وميض البصر، وذلك لأنه سقط مرة وأفشى سر الأسرة الأشتوفية ممثلة في الملك منفرد صديق العرب وحببهم للبابا، فما كان من العرب أنفسهم إلا أن اقتصوا من هذا الخائن الوضيع وقتلوه انتقاماً لكرامتهم التي أهدرت إخلاصهم الذي لطخه هذا الوضيع بالعار.
أما وظيفته فقد تولاها عربي آخر صقلي يحمل اسماً جرمانياً ألا وهو «ريتشارد» وكان على نصيب عظيم من العلم. وهو في الأصل من رجال القانون فكان يعمل قاضياً، ثم أصبح في الدولة المسيحية كبير الأمناء، ثم تدرج في الرقي حتى عينه الملك مستشاره الخاص وظل في منصبه هذا زهاء عشرين عاماً. ففي عام ١٢٢١ م نجد هذا العربي الذكي الخلص الأمين يقف إلى جانب الملك البالغ من العمر الثامنة عشرة والذي كان يحاول الحصول على تراث والده، فرافق «ريتشارد» الملك الشاب إلى ألمانيا ومنذ ذلك الحين أصبح رفيقه في الحل والترحال، في الحرب والسلم.