والعمل لمصلحته، وقد وقع هذا فعلاً. فبالقرب من مكانه المحبب إليه هذا المستقر الملكي المعروف باسم «فوجيا» في إقليم «أبوليا» أنزل فريدريش الأشتوقي خصومه القدامى ومنحهم حرية العبادة والإخلاص للعقيدة، وهكذا أقام في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة في شمال مملكته المستعمرات الإسلامية الحربية. لقد أنزل فريدريش العرب في «جيروفلكو» و «لوكيرا» وهما من أكثر المدن الإيطالية ازدحاماً بالسكان، وهناك كان يعيش نحو ثلاثين أو خمسة وثلاثين ألف أسرة عربية. وكان العرب بعيدين عن غيرهم ولهم أميرهم الخاص وحكومتهم الخاصة وكانوا يتمتعون بحريتهم كاملة، فلهم مساجدهم التي يدعو فيها المؤذن إلى إقامة الصلوات الخمس يومياً وللعرب مستشفياتهم ومدارسهم ومكاتبهم وحماماتهم، كما وهبهم القيصر حديقة للحيوان. فمسلك فريدريش من العرب يدل حقا على خبرة القيصر بالناس وحسن معاملتهم، فضلاً عن بعد نظره السياسي، وهو إذا أقبل على هذا العمل فقد رجا أن يؤتي أكله مئات المرات.
والاعتراف بالجميل، الذي اتصف به العرب، يتجلى لنا في مقابلتهم هذا الصنيع الكريم للقيصر وعفوه عنهم بالشكر والولاء، وأدرك فريدريش حسن طوية العرب وإخلاصهم له فاتخذ من شباب عرب «لوكيرا» حرسه الخاص فهم أبناء حرب وقتال وشباب امتلأت نفوسهم حباً للقيصر فلا تهمهم تهديدات البابا أو وعيده، كما أنهم لا يحترمون إلا القيصر ولا يأتمرون إلا بأمره فطاعتهم له عمياء وإخلاصهم لعرشه لا يعرف نهاية، وإن فرقة عربية تتألف من ثلاثين ألف مقاتل لن يتردد جنودها من خوض غمار الحروب دفاعاً عن قيصرهم وذودا عن عرشه. وهؤلاء الجنود العرب يقفون رهن إشارة القيصر لاستخلاص النصر من بين أنياب الموت. ولم يتجل إخلاص القيصر عند تجنيدهم فقط، بل وكل إلى عرب «لوكيرا» حراسة خزانة الدولة وممتلكاتها التي لم تكن تدر حتى ذلك الوقت إلا الدخل القليل. كذلك وكل القيصر إلى العرب الإشراف على القاعات الملكية وإدارة جميع أملاكه وضياعه الخاصة وأملاك الدولة والمصانع التي كانت تنجز جميع الأعمال التي يحتاج إليها القصر الملكي، وكذلك المصانع العربية التي كانت تنتج السهام والأقواس والدروع والجنات مختلف أنواع المجانيق، وكذلك اللجم وسرج الخيل