الموجودة بها، ومكنتها من التطور. كما أن احترام هذه الدولة لمختلف العقائد والعادات والتقاليد. إلا الزنادقة الذين كانوا في نظره مخربين للنظام القائم - يجعلنا نفهم ميله وحبه للروح الشرقية والثقافة الشرقية، وهذه الثقافة هي الأساس الذي اعتمدت عليه ثقافته وتكوينه العلمي، والثقافة العربية هي التي أفاضت عليه الألوان الثقافية المختلفة التي رفعت من منزلة فريدريش الثاني بين معاصريه، وهذه الثقافة أيضاً هي التي مكنته من تفهم العقلية العربية والحياة فيها والتفكير بها وحبه الشديد لكل ما هو عربي شعباً وثقافة وحضارة.
بدهي أن هذا الحب لم يكن صافياً كله عند غزو النورمانيين، ثم اضطهادهم للعرب بعد الغزو مما اضطر الأخيرين إلى المقاومة والاعتصام بالجهات الجبلية في قلب الجزيرة الصقلية، وذلك إباء من العرب وشمم من الخضوع للسيطرة الأجنبية. وهكذا نجد العرب من وقت لآخر يثيرون الاضطرابات ويهددون أمن الجزيرة. فهذا الموقف العدائي ودوافع التحرر والرغبة الصادقة في التخلص من أعدائهم .. كل هذه العوامل مجتمعة سببت للملك الشاب كثيراً من المتاعب، لذلك كان لا بد له للقضاء على الثائرين من خوض غمار حروب طويلة الأمد استمرت عدة سنوات، والجوع فقط هو الذي هزم العرب واضطرهم إلى التسليم، وقد وطنوا أنفسهم الأسوأ الاحتمالات، فقد قدروا عددهم خمسة وعشرون ألف عربي أنهم سيساقون إلى الإعدام، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، ففريدريش لم ينتقم حتى من المحرضين بل سلك مسلكاً يدل على أنه السياسي الحكيم حقاً.
إن فريدريش الثاني يعرف العرب جيداً، وقد أدرك أيضاً أن إصدار حكم الموت على أميرهم إبان المعركة كان تصرفاً غير حكيم وأيقن أنه عند إحراز أي نصر فالشخص المتعطش إلى الانتقام لن يستطيع الاستفادة من هذا النصر، لأن الانتقام يزيد من اضطهاد المهزوم وإيلامه ودفعه إلى الرغبة في الثأر والانتقام متى سنحت له الفرصة. فالمنتصر الحقيقي هو ذلك المتسامح لا المنتقم، إن فريدريش أدرك أن الاضطهاد قد يضطر العرب إلى الخنوع والذل. أما العفو، أما حسن المعاملة، أما كرم الأخلاق فسيضطرهم إلى الإخلاص له والوفاء والتفاني في سبيل نصرته