لهمساته متمسك بشريعة الإسلام، وهو كثير الثقة بالمسلمين وسكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله حتى إن الناظر في مطبخته رجل من المسلمين وله جملة من العبيد السود المسلمين وعليهم قائد منهم ووزراؤه وحجابه الفتيان، وله منهم جملة كبيرة هم أهل دولته والمرتسمون عاصمته وعليهم يلوح رونق ملكه لأنهم متسعون في الملابس الفاخرة والمراكب الفارهة، وما منهم إلا من له الحاشية والخول والأتباع، ولهذا الملك القصور المشيدة والبساتين الأنيقة ولا سيما بحاضرة ملكه المدينة المذكورة. . .».
ويستطرد ابن جبير في وصف رحلته فيصف العاصمة قاعدة ملك الجزيرة:
«والمسلمون يعرفونها بالمدينة والنصارى يعرفونها ببلارمة. . . الجامعة بن الحسنين غضارة ونضارة فما شئت بها من جمال مخبر ومنظر ومراد عيش يانع أخضر عنيقة أنيقة مشرفة مؤنقة تتطلع بمرأى فتان وتتخايل بين ساحات وبسائط كلها بستان فسيحة السكك والشوارع تروق الأبصار بحسن منظرها البارع عجيبة الشأن قرطبة البنيان مبانيها كلها بمنحوت الحجر المعروف بالكدان يشقها نهر معين ويطرد في جنباتها أربع عيون قد زخرفت فيها لملكها دنياه واتخذها حضرة ملكه الإفرنجي أباده الله تنتظم بلبنها قصور انتظام العقود في نحو الكواعب ويتقلب من بساتينها وميادينها بين نزهة وملاعب فكم له فيها، لا عمرت به، من مقاصير ومصانع، ومناظر ومطالع. . . وكنائس قد صيغ من الذهب والفضة صلبانها. . .
وللمسلمين بهذه المدينة رسم باق من الإيمان يعمرون أكثر مساجدهم ويقيمون الصلاة بأذان مسموع، ولهم أرباض قد انفردوا فيها بسكانهم عن النصارى والأسواق معمورة بهم وهم التجار فيها ولا جمعة لهم بسبب الخطبة المحظورة عليهم ويصلون الأعياد بخطبة، ودعائهم فيها للعباسي، ولهم بها قاض يرتفعون إليه في أحكامهم وجامع يجتمعون للصلاة فيه. . وأما المساجد فكثيرة لا تحصى وأكثرها محاضر لمعلمي القرآن. وبالجملة فهم غرباء عن إخوانهم المسلمين تحت ذمة الكفار ولا أمن لهم في أموالهم ولا في حريمهم ولا أبنائهم. .».
ويذكر ابن جبير في وصف الملك: «. . وليس في ملوك النصارى أشرف في