للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مخترعاتها. وهي على قسمين قصر وربض. فالقصر هو القصر القديم المشهور فخره في كل بلد وإقليم وهو في ذاته على ثلاثة أسمطة، فالسماط الأوسط يشتمل على قصور منيفة ومنازل شامخة شريفة وكثير من المساجد والفنادق والحمامات وحوانيت التجار الكبار، والسماطان الباقيان فيهما أيضًا قصور سامية ومبان فاخرة عالية وبهما من الفنادق والحمامات كثير وبه الجامع الأعظم الذي كان بيعة في الزمن القديم وأعيد في هذه المدة على حالته في سالف الزمان، ووصفته الآن تغرب عن الأذهان لبديع ما فيه من الصنعة والغرائب المفتعلة والمنتخبة والمخترعة من أصناف التصاوير وأجناس التزاويق والكتابات. فأما الربض فمدينة أخرى تحدق بالمدينة من جميع جهاتها وبه المدينة القديمة المسماة بالخالصة التي بها كان سكنى السلطان والخاصة في أيام المسلمين وباب البحر ودار الصناعة التي هي للإنشاء والمياه بجميع جهات مدينة صقلية مخترقة وعيونها جارية متدفقة وفواكهها كثيرة ومبانيها ومنتزهاتها جنة تعجز الواصفين وتبهر عقول العارفين وهي بالجملة فتنة للناظرين .. ».

ومن بين الرحالة الذين سحرتهم بالرمو الرحالة العربي الغرناطي ابن جبير الذي زارها عام ١١٨٥ م فبهرته، وقد ترك لنا في رحلته وصفًا دقيقًا في صقلية وبالرمو والقصر الملكي، وقد أطنب في وصف عاصمة النورمانيين والملك النورماني. وقد سبقه إلى هذا الوصف في ذلك المديح الإدريسي بنحو ثلاثين عامًا. وحدث أن توفي في تلك الفترة الملك رجار الثاني وفي نفس العام الذي أتم فيه الإدريسي كتابه وأغدق عليه الملك الكثير من الهدايا وبعد أن خلفه ابنه فلهلم الأول الذي لم يحكم طويلا إذ توفي وخلفه ابنه وحفيد روجير الثاني وهو فلهلم الثاني.

وقد ظل الأسد النورماني يحكم صقلية زهاء قرن من الزمان، والشيء الجدير بالانتباه هذه الصلة القوية بين الحاكم ورعاياه العرب، وهذه الصلة هي التي لفتت نظر رحالة غرناطة وكان يعتقد أنه سيزور بلدًا يحكمه الإفرنج إلا أنه سرعان ما تبين مقدار الثقة العظيمة التي أولاها الملك للمسلمين «وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين واتخاذ الفتيان المناجيب وكلهم أو أكثرهم كاتم

<<  <   >  >>