مثل هذه الأسس وتلك القواعد وخرائط الإدريسي التي رسم عليها الأرض على هيئة كرة بالرغم من أنه لم يكن من المستطاع حسب التجارب الشخصية أو غير الشخصية أو الحسابات الرياضية تدعيم هذا الرأي القائل بكروية الأرض، فالذي كان معروفًا في كثير من الأديرة حسب رواية الكتاب المقدس أن خريطة العالم عبارة عن قطعة من الأرض تحيط بها المياه وفي وسطها تقع الجنة. وليس بطليموس بل جغرافيو العرب في القصر الملكي في صقلية، هم أولئك العرب الذين علموا أوربا. وخريطة الإدريسي تختم ثلاثة قرون كانت خالية مظلمة، وخريطته هي أول مجهود علمي شخصي، كما أن كتاب ابن سينا عن المعادن هو المرجع الأول لأوربا ودراستها لعلم طبقات الأرض، وقد زلت معتمدة على ابن سينا حتى القرن الثامن عشر.
ويذكر الإدريسي عن البلد الذي وضع فيه مؤلفه:
«إن جزيرة صقلية فريدة الزمان فضلا ومحاسن ووحيدة البلدان طيبًا ومساكن وقديمًا دخلها المتجولون من سائر الأقطار والمترددون بين المدن والأمصار وكلهم أجمعوا على تفضيلها وشرف مقدارها أعجبوا بزاهر حسنها ونطقوا بفضائل ما بها وما جمعته من مفترق المحاسن وضمته من خيرات سائر المواطن. فأما صقلية المقدم ذكرها فأقدارها خطيرة وأعمالها كبيرة وبلادها كثيرة ومحاسنها جمة ومناقبها ضخمة، فإن نحن حاولنا إحصاء فضائلها عددًا وذكرنا أحوالها بلدًا بلدًا عز في ذلك المطلب وضاق فيه المسلك لكنا نورد منها جملا يستدل بها ويحصل على الغرض المقصود منها إن شاء الله تعالى. . .
«مدينة بلرم وهي المدينة السنية العظمى والمحلة البهية الكبرى والمنبر الأعظم الأعلى على بلاد الدنيا، وإليها في المفاخرة النهاية القصوى ذات المحاسن الشرائف ودار الملك في الزمان والمؤتنف والسالف ومنها كانت الأساطيل والجيوش تغدو للغزو وتروح كما هي الآن عليه من ذلك، وهي على ساحل البحر في الجانب الغربي والجبال الشواهق العظام محدقة بها وساحلها بهج شرقي فرج ولها حسن المباني التي سارت الركبان بنشر محاسنها في بناءاتها ودقائق صناعاتها وبدائع