الدفاتر الناقلون والمؤلفون، وما لكل إقليم منها من قسم بلاد يحتوي عليه ويرجع إليه. . . فأحضر لديه العارفين بهذا الشأن فباحثهم عليه وأخذ معهم فيه فلم يجد عندهم علما أكثر مما في الكتب المذكورة، فلما رآهم على مثل هذه الحال بعث إلى سائر بلاده فأحضر العارفين بها المتجولين فيها فسألهم عنها بواسطته جمعًا وأفرادًا فما اتفق فيه قولهم ووضح في جمعه نقلهم أثبته وأبقاه، وما اختلفوا فيه ألغاه وأرجاه. . . وأن يؤلفوا كتابًا. . بوصف أحوال البلاد والأرضين في خلقها وبقاعها وأماكنها وصورها وبحارها وجبالها وأنهارها ومواتاتها ومزروعاتها وغلاتها وأجناس أبنائها وخواصها والاستعمالات التي تستعمل بها والصناعات التي تروج بها، والتجارات التي تجلب إليها وتحمل منها والعجائب التي تذكر عنها وتنسب إليها. . . من ذكر أحوال أهلها وهيئاتهم وخلقهم ومذاهبهم وزيهم وملابسهم ولغاتهم».
لقد درس الإدريسي في قرطبة وقام برحلات طويلة بين آسيا والشواطئ الغربية لإنجلترا ثم تحول جنوبًا حتى بلغ جنوب إفريقيا وقضى خمسة عشر عامًا في بالرمو يعد أرقامه وخرائطه وملاحظاته العديدة، وقد شارك الملك المتعطش إلى العلوم والمعرفة والجغرافيا الإدريسي في ولعه بالعلوم والمعارف وبخاصة أن الملك لم يترك أجنبيًا سواء أكان ضيقًا أم دبلوماسيًا أم تاجرًا يفد إلى مملكته إلا استجوابه عن وطنه وخصائصه وعقائده ورحلاته وتجاربه. كما أصدر الملك أمرًا إلى موظفيه العرب ذوي الخبرة الواسعة في قياس مختلف المدن والأنهار والمرتفعات بإنجاز كل ما يتصل بأعمال المساحة.
وفي أوائل عام ١١٤٥ م كمل هذا المؤلف العلمي العظيم، وقد خلف لنا بطليموس العرب سبعين خريطة، وقد سلمها قبيل وفاته إلى الذي كلفه بوضعها وإنجازها. وهذه الخرائط تمتاز على الخريطة الشهيرة التي وضعها الجغرافي المصري العظيم دقة وحجمًا، هذا فضلا عن بعض المآخذ الواردة فيها. لكن أحسن وأشهر خريطة وصلتنا هي تلك التي تركها لنا الإدريسي، أعني الخريطة الكبرى للعالم وهي محفورة على كرة من الفضة قطرها متران وتزن ثقل رجلين مكتملين، أما