للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ويندبون ويلطمن الخدود. ولم يقف الأمر عند الحرائر بل حتى الخادمات كن يجرين في الشوارع نائحات مولولات نادبات قارعات الرق. وعرب أيضًا هم الذين خلدوه بمؤلفاتهم، وقد ذكروه على أنه الحاكم المثالي الذي عرفته العصور الوسطى، وهو مؤسس الدولة والمشرع والسياسي، كما اهتم بالرياضيات والفلك والجغرافية وعلم الطبيعة والفنون.

ويدين روجير الثاني للعرب الذين مكنوا له في الأرض وهو أصغر ملوك أوربا وصيّروه أغنى الجميع. فالعرب هم المهرة في زراعة الأرض وفي النشاط الصناعي، ونظامهم مثالي في الاقتصاد والضرائب، وقد أخذه عنهم كما أخذ عنهم الإدارة والتشريع. وهناك مصدر آخر من مصادر ثرائه الخيالي هو الضرائب التي كان يدفعها العرب المقيمون على شواطئ شمال إفريقيا، وهم خالقو أسطوله. وأمير أمراء البحر جورج الأنطاكي هو الذي استطاع بمهارته إخضاع شمال إفريقيا لسيادة صقلية، ثم تركه روجير تسامحًا منه للحكام العرب. والواقع أن روجير يدين كثيرًا لهذا العربي الإفريقي الذي جعله ملك «صقلية وإيطاليا وإفريقيا».

أليس من الواجب عليه أن يلم بالبلاد التي يحكمها؟ هذه فكرة تقوم في الشرق فقط، إذ لا يوجد عالم غير عربي هو الذي يستطيع وضع خريطة تبين هذه البلاد ومواقعها، وهذه الخريطة يجب أن تكون من النوع الذي قام سبعون جغرافيًا بإعداده بأمر من الخليفة المأمون في بغداد. لذلك نجد ملك صقلية وإيطاليا وإفريقيا يقوم بدعوة أشهر جغرافي العرب في عصره ألا وهو الإدريسي، من «كويتا»، الذي يكتب:

«فمن بعض معارفه السنية ونزعاته الشريفة العلوية أنه لما اتسعت أعمال مملكته وتزايدت همم أهل دولته وأطاعته البلاد الرومية ودخل أهلها تحت طاعته وسلطانه أحب أن يعرف كيفيات بلاده حقيقة ويقتلها يقينًا وخبرة ويعلم حدودها ومسالكها برًا وبحرًا، ففي أي إقليم هي وما يخصها من البحار والخلجان الكائنة بها ومعرفة غيرها من البلاد والأقطار في الأقاليم السبعة التي اتفق عليها المتكلمون وأثبتها في

<<  <   >  >>