للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وسيطًا كان أيضًا اليونانيون والهنود فالعالم اليوناني، «تاليس» وكذلك «فيثاغورس» يدينان بالفضل في معرفتهما الرياضية وما حصَّلاه لمصر، وفي الفلك لبابل. فهذان العالمان اليونانيان أخذا عن مصر وبابل هذه الأصول وتلك القواعد، فاليونان ورثة، فقد ورثوا الشرق القديم، واليونان هم الوسطاء الذين نقلوا عن الشرق القديم علومه، ومن ثم قدموها إلى الشعوب الأخرى، كما هو الحال مع العرب فهم وسطاء اليونان والشرق القديم ومن شعوبه انحدروا، وأوربا هي وريثة العرب والعالم القديم.

وكل عصر يكيف العلم القائم ويشكله كما يريده أبناء العصر، فإن كان هؤلاء من الرجال الأفذاذ تناولوا هذا العلم وأبدعوا فيه فنحن نجد «تاليس» يدرك في القواعد الهندسية المصرية الأصول العلمية العامة، وهكذا نجد العقلية اليونانية تتجلى في المادة التي كانت خاصة وتجعلها شيئًا عامًا وتخرج من حقل التجارب الواقعية إلى العملية المجردة، وهذه خاصية امتازت بها العقلية اليونانية. والواقع أن كل ثقافة سواء المصرية القديمة أو البابلية تكوِّن وحدة مستقلة مثلها مثل الثقافة العربية، أو الأوربية حيث نميز في شيء من الوضوح بين حالتي الثقافتين. ومن الخطأ أن يستخدم شخص ما، إذا ما أراد دراسة ثقافة بعينها، نفس المقاييس لكل الثقافات التي يعرض لها.

كان العنصر الهام في العقلية اليونانية يهتم بإثبات جوهر الشيء، حتى إذا ما تعب من السير في طريق التجارب واحتقر العمل اليدوي في الحقل مثلا واعتبر أن مثل هذا العمل هو من شأن العبيد لا الأحرار، فإن هذا اليوناني يطير إلى جبل أوليمب باحثًا عن القوانين العامة والأفكار التي مكنته من بلوغ منتهاه وإدراك الخلود، لكن تنقصه القدرة على المقابلة عن طريق الملاحظة فالتجربة واقعية. بدهي أن يونانيين لاحظوا وجربوا وقابلوا بين ما قاموا به هنا وهناك من تجارب، بدهي أن أرسطو أجهد نفسه في سبيل دراسة الفرد، لكن هيكل العلوم اليونانية لم يتغير بسبب مسلك أرسطو فالطب اليوناني والطبيعة اليونانية والكيمياء والحيوان والنبات ظلت بل بقيت فلسفة، وبذلك فهي يونانية. لكن العقلية الهلّينية اشتقت طريقًا آخر بخلاف الأوربيين، كما سلكت كذلك طريقًا يخالف طريق العرب.

<<  <   >  >>