للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فيروى عن أستاذ أنه كان سخيًا في منح الإجازات الدراسية لتلاميذه حتى قال فيه تلاميذه: إنه يغطي الأرض بالشهادات خاصًا بما يسمع وإجازات للتدريس كذلك.

والتصريح بنشر ما يقرأ أو يسمع يعتبر دليلًا على كفاية الطالب، والذي يحصل على الإجازة يحصل في نفس الوقت على حق التدريس علانية أي إجازة التدريس «ليسنتيا دوكندي»، وهكذا نجد حق التأليف أو الاختراع العربي الذي كان يلازم إنشاء المدارس العليا العربية ينتقل إلى الجامعات الأوربية، وهذا هو أصل الدرجة العلمية الجامعية المعروفة باسم «ليسنتياتين» والتي ما زلنا نجدها حتى اليوم في الدرجة اللاهوتية ليسانس اللاهوت، وربما أيضًا «البكالوريا»، وهي تقابل في العربية «الحق في تفويض آخر بالتدريس»، أعني «بحق الرواية».

ومما لا شك فيه أن الجامعات العربية التي أينعت وازدهرت منذ القرن التاسع الميلادي، ومنذ عصر «جربرت» تغري وتجذب بعض المتعطشين الأوربيين إلى العلوم والمعارف، فكانوا يتسللون سرًا عبر جبال البرنات، ولا غرابة في هذا فالجامعات العربية كانت قد بلغت مرتبة رفيعة جدًا، وما كانت هناك في مختلف أنحاء العالم جامعة تنافسها، لذلك نظر إليها الأوربيون على أنها الصورة المثالية للجامعات عامة وبخاصة الأوربية، فلا غرابة إذا رأينا الأوربيين يقلدونها فيقتبسون عن الجامعات العربية الإجازات العلمية ونظام الكليات وطرق التدريس. جميع هذه الهبات وهبها العرب للأوربيين.

لم يقدم العرب لأوربا البناء فقط بل محتوياته أيضًا أعني العلوم والمعارف. فقد أهدوا لأوربا مواد هذه الدراسة اليونانية، فالعرب قد اعترفوا بأهميتها وضرورة تدريسها لذلك أعطى العرب أوربا العلوم اليونانية والفلسفة اليونانية.

فهذا المدح القيم الذي يتجاهل ويتعامى عن الإنتاج العربي العلمي، هذا الإنتاج العربي الذي هو الدعامة التي تقوم عليها المعرفة الأوربية، والذي يتفوه به الأوربيون جريمة وإثم لا تجاه العرب فقط بل تجاه الحقيقة ذاتها.

<<  <   >  >>