من الخطأ أيضًا، كما حدث اليوم، أن نقابل بين العرب واليونان، وأن نتهم العرب بنقص في فهم العالم وتفسيره تفسيرًا فلسفيًا، كذلك ليس من العدل أن نصف العلوم العربية بأنها تقليد أعمى للعلوم الهلّينية، وأن العربية عبارة عن أخذ ورد للعلوم اليونانية أو الهندية، كما أن إنتاج أمثال «تاليس» و «فيثاغورس» هو نقل عن المصريين والبابليين. إن العرب عندما أخذوا ما أخذوا عن اليونانيين أخضعوه لأبحاثهم التجريبية وتوسعوا فيما أخذوا عن اليونانيين، نعم إن العرب هم مخترعوا العلوم التطبيقية والوسائل التجريبية بكل ما تدل عليه هذه العبارة.
والعرب هم المخترعون الحقيقيون للأبحاث التجريبية.
ومما هو جدير بالذكر أن العلماء الهلّينيين وجلهم ليسوا من أصل يوناني بل من أصل شرقي امتازوا بالاستعداد للملاحظة ومختلف الوسائل التجريبية، ولو اضطر هذا العالم الهلّيني إلى إخضاع العملي للنظري أحيانًا. فكل بحث عند العرب يجب أن يبدأ ويعتمد على حقائق مستقلة، والعرب هم أول من نادى بهذا، ومن ثم تطور البحث، فبعد أن كان يعني بالحقائق الجزئية أصبح يهتم بالكليات التي تقوم على الحقائق الثابتة. وعن طريق المثابرة في البحث والمقاييس استطاع العرب حصر الحقائق والإحاطة بها، وبعد تجارب مضنية كثيرة أجريت على النظريات قرر العربي قبولها والاعتراف بصحتها أو رفضها، هذا إلى جانب حرية البحث والتفكير. وقد سبق العرب الأوربيين في هذا النوع من الأبحاث الحرة بنحو ثمانية قرون وشعارهم «الشك أول شروط المعرفة».
واعتمادًا على هذا الرأي ظهر العلماء الطبائعيون العرب، وكانوا أول من فتح الطريق في العالم فسار في طريقهم الأوربيون وظهر أمثال:«روجير بيكون» و «ألبرتوس مجنوس» و «فيتيليو» و «ليوناردوا دا فنشي» و «جليلي».
وهناك حقيقة يجب أن نقررها مرة ومرات، وهي أن العرب لم ينقذوا الثروة العقلية اليونانية فقط، ولولا هم لضاعت وقبرت، بل العرب هم الذين نظموها فبوبوها ورتبوها، ومن ثم قدموها لأوربا في ثوب علمي قشيب. العرب هم مؤسسو الكيمياء التجريبية وكذلك الطبيعة العملية والجبر والحساب بمعناه الحديث،