يضطره إلى الدقة في التحضير والاستعداد للمحاضرةـ ولكل فرد الحق في أن يحاضر إذا ما شعر بأنه متمكن في مادته لكن أسئلة الطلاب تحول دون وصول الأدعياء إلى مكان الأستاذية.
ففي صحون المساجد كان للطالب الحق في أن يستمع إلى من يشاء من الأساتذة ولا سيما المشهورين منهم والذين يفدون من مختلف أرجاء العالم العربي، فالعلماء الذين هم في طريقهم إلى الحج ينتهزون فرصة مرورهم بمركز شهير من مراكز البحث والدرس فيلقون دروسهم، فنجد هؤلاء ومنهم المؤرخ والجغرافي والنباتي والمحدث والأديب وهم من بين أبناء البلاد العربية الممتدة من المحيط الأطلسي إلى بحر الخزر، فكان هؤلاء العلماء يقصدون أساتذة دمشق أو بغداد وقد يكونون هم أيضًا أستاذة الأزهر في القاهرة أو القيروان أو فاس أو الزيتونة في تونس، فهؤلاء الحجاج كانوا ينقلون في الوقت نفسه نقل الصحافة فهم ينقلون ما يجري في طليطلة أو الري وهكذا من البصرة حتى فاس وقرطبة.
وما أسهل السرقات الأدبية والعلمية في مثل هذه الرحلات وتلك الأسفار إذ تنتقل الآراء العلمية الجديدة والنظرية الخطيرة من فم إلى فم، ويذكر يحيى بن عيسى في شيء من البساطة أنه سمع عن أبي بكر البغدادي كيف أن الشيخ سعيد بن ياقوت أعلن هذا الرأي في مجلس عام.
إن العربي لن يلوك لسانه أفكار الآخرين، فكل من يريد استخدام كتاب لمؤلف آخر في الدرس، عليه أن يحصل قبل كل شيء على موافقة كتابية من المؤلف، فليس من المسموح به أن أحدًا يستشهد في محاضراته ولو شفويًا بأقوال أستاذه دون أن يكون قد حصل على تصريح مكتوب، كما لا يجوز لأحد أن يستشهد أو ينشد أشعار شاعر دون رضاء الشاعر عن هذا، كما هو الحال في الجاهلية حيث كان للراوي الحق فقط في رواية ونشر شعر شاعره. هكذا كان احترام حقوق المؤلفين أو الشعراء أو آراء الآخرين. فلكل مؤلف حق حماية مؤلفاته طيلة حياته، وبعد وفاته ينتقل هذا الحق إلى ورثته. كما أن له الحق في أن يوصي بأن يرثه أبناؤه أو أحد تلاميذه.