للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لمكافحته وتجنب ويلاته فمنعت السفن التي يشتبه في وجود المرض بها من الاقتراب من الموانئ الإيطالية، ثم تقرر التبليغ عن جميع حالات المرض. وقام أول بناء للعزل ومنعت الاجتماعات وأحرقت جميع الأشياء الملوثة بجراثيم المرض، فكل هذه الاحتياطات تقوم دليلا على أن أوربا أخذت بالرأي العربي الخاص بطرق مقاومة المرض والحد من انتشار العدوى، وقد زلت هذه الوسائل متبعة حتى يومنا هذا.

وبدهي أن هذه الاحتياطات التي أتت بأحسن النتائج في سبيل مقاومة الوباء والقضاء عليه لم تتعارض وتعاليم الكنيسة فالعبارات الواردة في العهد القديم والخاصة بالعقوبات والعذاب الذي قد يلحقه الله بالمذنبين على يد ملائكته شاهدة على عدم انحراف المسيحيين عن تعاليم دينهم، إذا ما فهمت على أنها لا تحمل إلا معنى رمزيًا. إن الإيمان بالآيات الواردة في الكتاب المقدس حالت لمدة عدة قرون دون تقدم البحوث الخاصة بالعدوى، فإلى جانب سرير المريض كان يقف الطبيب العظيم والعالم المشهود له بالكفاية العلمية لكنه لا يستطيع أن يقدم للمريض أدنى مساعدة؛ وذلك لأن العلوم الطبية قاست الكثير من التخمة التي أصابت الأوربيين الذين عجزوا عن فهم العلوم الأجنبية. كما أن العلوم الأوربية لم تتقدم قط حتى في الوقت الذي كان يصرح فيه لخريج الطب الحديث وتحت إشراف طبيب آخر بمعالجة المريض، إذ إن سائر معلوماته كانت في الواقع مستقاة من الكتب والصور المأخوذة عن رسومات خيالية خاطئة. أما الدراسة العلمية في المستشفيات كما هو الحال عند العرب فلم تكن مستعملة في أوربا، فمدرسة الطب كانت مقطوعة الصلة بالمستشفى، فلما عاد الصليبيون وشاهدوا ما شاهدوا عند العرب، وفي مدارس الطب العربية طالبوا بإدخال هذه النظم في أوربا، وأخذ البابا إينوسنس الثالث يطالب جمعية روح القدس ببناء المستشفيات وجمع المرضى فيها كما أشرفوا هم على رعاية أولئك المرضى في المستشفيات التي كانت خالية من الأطباء. وفقط في عام ١٥٠٠ م عين ولأول مرة في مستشفى ستراسبورج طبيب دائم مقيم، وكان هذا بعد ثمانية قرون من تشييد الخليفة الأموي الوليد للمستشفى العربي، الذي عين له عددًا كبيرًا من الأطباء المختصين في مختلف الأمراض. وبعد ستراسبورج نجد في

<<  <   >  >>