للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والالتواءات الأوربية الطبية، وهذا الفن هو الجراحة. فالجراحة تدين للعروبة في تطورها وتقدمها السريع بعد أن كانت مهنة من المهن الحقيرة، وسرعان ما بلغ الجراح منزلة قاضي الجنايات.

ففي عام ١١٦٣ م صدر قرار من المجلس الأعلى يمنع تدريس الجراحة في مدارس الطب، كما أن الجراحة اعتبرت مهنة مشينة تدنس شرف وكرامة الطبيب الذي يمارسها، بخلاف العرب الذين أقبلوا عليها وأولوها عنايتهم فأصبحت علمًا من أجلّ العلوم وأشرفها بل أصبحت الفن الطبي الوحيد الذي يتطلب اليقظة والانتباه وسرعة الإدراك وسلامة الطبيب وقواه، لأنه هو الفن الطبي الذي يأتي بنتائج إيجابية. وقد أخذت الجراحة تتبوأ مكانًا رفيعًا في أوربا على يد «روجر فون سالرنو» اللنجو باردي وتلميذه «رولند» و «هوجو فون بورجو جنوني» وابنه «تيودريش»، ثم قدر للجراحة أن تخطو خطوة أبعد بفضل «فلهلم فون ساليسيت» اللنجو باردي وتلميذه الذي تفوق عليه وهو «لانفرنكو»، ثم الفرنسي «جوي ده شولياك».

والشيء الجدير بالملاحظة حقًا، هذه الحقيقة التي تدحض الافتراءات التي افتريت على الجراحة والجراحين، أعني هذا التقدم الذي أحرزته الجراحة على يد أمثال: أبي القاسم وابن سينا. وبفضل الأخير خاصة انتقلت إلى أوربا واشتركت اشتراكًا كليًا مع علم التشريح، ومن ثم ينتهي بها المطاف إلى هذا التقدم العظيم الذي أحرزته الجراحة في الطب الحديث.

ومرة أخرى نجد العرب يتقدمون لإنقاذ هذا العلم من خطر جديد أحدق به وفي أوقات حرجة جدًا، وليس هذا الموقف بجديد على العرب فقد سبق لهم أن سارعوا إلى إنقاذ الطب من سيطرة اللاهوت واستعباده وإقفال الطريق أمامه. لقد دنت ساعة الامتحان للطب والأطباء عندما انتشر وباء عام ١٣٨٢ وحار الطب وأخفق الأطباء، في ذلك الوقت كان الطب العربي يتحدث عن الوباء وعن العدوى التي قد تصيب الإنسان من جرائه، وهذا بدوره قد ينقل جراثيم المرض إلى كثيرين ممن قد يتصلون بالمريض. وحدث أيضًا أن انتشر الوباء مرة أخرى وكانت أوربا مستعدة

<<  <   >  >>