أصيبعة قد أدرك السابعة، ودرس كلاهما الطب وتتلمذ على أستاذ واحد ألا وهو ابن الدخوار.
وقد كان مديرًا لمستشفى نوري، وقد اشتهر لمحاضراته العلمية التي كان يرتادها الكثيرون فضلًا عن تدريسه العلمي في المستشفى وثروته الخيالية، ولما لم يترك ذرية تبرع بقصره الكبير ليكون مدرسة للطب، وألحق بها عيادة خاصة، كما أوقف عليها إيراد أملاكه للإنفاق عليها. وقد درس على هذا العالم الفاضل ابن أبي أصيبعة وابن النفيس كتب الرازي وابن سينا ورسائل جالينوس الذي كان يحترمه كثيرًا؛ وقد اعتاد ابن أبي أصيبعة إذا ما سمع شيئًا من أقوال جالينوس أن يسخر من أستاذه ويصيح: هذا هو الطبيب! ثم لا نلبس طويلًا حتى نجد الطبيبين الشابين يلتقيان في المستشفى الناصري في القاهرة. هذا المستشفى الذي أنشأه صلاح الدين، لكن ابن أبي أصيبعة لم تطل إقامته في مصر وتركها إلى أطراف بادية الشام حيث التحق بخدمة أمير شامي، وهكذا نسي رفيقه وزميله.
أما ابن النفيس فقد كان أحسن حظًا إذ أصبح رئيسًا للمستشفى الناصري، وظل هكذا مدة طويلة رئيسًا لأطباء هذا المستشفى، ويلقي محاضرات عن جالينوس وابن سينا ارتجالا دون أن يستعد لها. ويروي الذين حضروه أنه إذا ما أراد وضع رسالة طبية تدفقت آراؤه ومعلوماته كالنهر الفياض دون ما حاجة إلى الاستعانة بمراجع أخرى. ويحكى أنه كان مرة في حمام من حمامات القاهرة يغتسل بصابون مصنوع من زيت الزيتون فخرج من الحوض ودخل غرفة بالحمام وهناك أمر بإحضار ورق وقلم ومداد وأخذ يكتب رسالة حول «النبض»، وعندما فرغ منها عاد إلى الاستحمام ثانية.
وكان ابن النفيس طويل القامة نحيل القوام ورأسه رأس علماء. وإلى جانب مهنته كطبيب وعالم شغف كذلك بعلوم الشريعة والنحو المنطق والفلسفة، وكان يقرأ على الطلاب في مدرسة الشريعة المعرفة باسم المسرورية علوم الشريعة والحديث.
فهذا العالم الشاب الذي ثقف شباب الأطباء المصريين في مؤلفات كبار علماء