الطب أمثال: جالينوس وابن سينا، هذه المؤلفات التي كان يجيدها ويلم بها، اشتهر باستقلاله في تفكيره حتى إنه لم يتردد في نقدها ونقد غيرها من مؤلفات الآخرين.
ويمتاز ابن النفيس على أستاذه ومعظم زملائه بالشك وقوة النقد فهو لا يتقبل آراء الآخرين سواء كان جالينوس أو غيره على أنها حق لا يأتيها باطل بل هاجمها وقلل من أهميتها. أما الآراء المتداولة والنظريات التعليمية، فلو يعرضها على طلابه إلا بعد الدرس والتمحيص مهما كانت مصادرها وتفاوتت مقادير أصحابها وتباعدت العصور التي عاشوا فيها. والجرأة التي اقتحم بها «هارفي» هيكل تقديس القديم ومزق أستاره وفضح قدسيته مكنته من فتح باب النقد والبحث العلمي على مصراعيه، كذلك كان الحال مع الباحث العربي ابن النفيس، فقد كان جريئًا جدًا حريصًا على الاحتفاظ بحريته العلمية والمناداة بما يعتقده؛ وهو من المنادين بأن فحص أي عضو من أعضاء الجسم يتطلب من الباحث قبل كل شيء الملاحظة الدقيقة والدراسة العلمية النزيهة ولا مراعاة لأي اعتبار آخر قد يحول دون حرية البحث أو إبداء الرأي أعني عدم الاكتراث بمكانة صاحب الرأي سواء كان من القدامى أو المحدثين. وليس هذا المذهب هو مذهب ابن النفيس فقط بل قد اتبعه الرازي أيضًا ونهج على نهجه «هارفي»؛ فابن النفيس و «هارفي» اعتمدا على المشاهدة والتجارب الطبيعية.
وهناك فروق في تكوين مختلف الحيوانات، لذلك يجب أن نستعين بعلم تشريح مقارن؛ هكذا نادى ابن النفيس ونادى بوجوب ملاحظة الفوارق وأخذها بعين الاعتبار. وقد أثبت التشريح للعالم الباحث الأمين ما يأتي:
١ - أن القلب يتلقى غذاءه من الدم الذي يجري في الأوعية (وليس كما كان يعتقد قديمًا عن طريق الحوض اليميني للقلب) التي تتخلل القلب؛ وبذلك يكون ابن النفيس أول من تنبه إلى وجود الدورة التاجية.
٢ - أن الدم يندفع إلى الرئة ليتشبع بالهواء وليس لتغذية الرئة (كما أشار إلى ذلك متأخرًا هارفي).
٣ - هناك وصلات بين شرايين الرئة وأوردتها، وهذه الوصلات تتحكم في الدورة