للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بالقلب. أما «هارفي» فقد ظهر ونادى بآرائه الجديدة هذه بعد أن مضى نحو ثلاثة وستين عامًا على مجيء الإسباني «ميخائيل ثروت» عام ١٥٥٣ م، وتحدث للمرة الأولى عن دورة دموية وهي المعروفة باسم الدورة الصغرى أو دورة الرئة. وبعده بفترة قليلة جاء الإيطاليان «كولومبو» و «كيسلبينو» وأدخلا بعض التصحيحات على آراء جالينوس. وهكذا كان الوضع في تاريخ الطب حتى عام ١٩٢٤ م.

ففي ذلك العام (١٩٢٤ م) تقدم شاب مصري إلى كلية الطب بجامعة «فريبورج» بإقليم «بريسجاو» برسالة في غاية الأهمية وفي اللغة الألمانية. ولا شك في أنه إذا ثبتت صحة النتائج التي انتهى إليها هذا الطبيب، فإن الفصل الخاص بالتاريخ العلمي لهذا الموضوع الطبي يجب أن يكتب من جديد.

وفي ألمانيا نفر قليل من المستشرقين الذين يهتمون بالمخطوطات المحفوظة بمكتبة الدولة، ويقوم هؤلاء الأساتذة بفحصها ويقابلون بين ما يذكره الدكتور التطاوي وما جاء في هذه المخطوطات، وبعد دراسة فاحصة قرر أولئك المستشرقون أن الطبيب المصري على حق فيما ذهب إليه، وقد ثبت أن طبيبًا عربيًا عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، وأن هذا الطبيب العربي أدرك مدى الخطأ الذي تردى فيه جالينوس. فالطبيب ابن النفيس هو أول من فكر في موضوع الدورة الدموية، وكان ذلك قبل «هارفي» بنحو أربعة قرون أو ثلاثة قرون قبل «ثروت». وقد بلغ ابن النفيس مكانة ممتازة بين أطباء عصره حتى إنه لما توفي رثاه أحد شعراء عصره بقوله: «إنه فريد عصره»، وإن العالم لم ير مثيلا له منذ عهد ابن سينا.

ابن أبي أصيبعة (١٢٠١ - ١٢٧٠) الطبيب ومؤرخ الطب العربي، هو ابن طبيب عيون وحفيد مدير مستشفى العيون في دمشق. وقد ذكر لنا سير نحو ثلثمائة وتسعين طبيبًا من أشهر أطباء العرب، لكن ما هو السبب الذي دفعه إلى تجاهل هذا الطبيب الشهير جدًا والذي بلغ في عالم الطب منزلة قد لا يدانيه فيها أحد؟ ! إن هذا سر غامض حقًا، فابن النفيس كان معاصرًا لابن أبي أصيبعة ومواطنًا له، بل كان زميلا له في مدرسة الطب وفي نفس المستشفى الذي عمل فيه الاثنان. لقد ولد كلاهما في دمشق وفيها ترعرعا، وعندما ولد ابن النفيس عام ١٢١٠ م كان ابن أبي

<<  <   >  >>