للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فهذا البناء الخالد للطب والذي شيدته العلوم القديمة ترك أثرًا في الأجيال المتعاقبة لا يقل أهمية عن أثر علم الفلك القديم وعلم الماجسطي لبطليموس. فقد قام على نظريات فلسفية متأرجحة عوضًا عن أن يقوم على أثاث ثابت من الخبرة العلمية التي تعتمد على التجارب والمستشفيات. فمن هو الشخص الذي لم يتأثر بهذه العقلية الإيحائية؟ ومن هو الشخص الذي أصابه ضرر من دراسات وأعمال جالينوس الذي كان يؤمن أن مثل هذه المحاولات من حقه ولو أنها كثيرًا ما شابها الخيال؟ لذلك نجد القرون العديدة تحني هاماتها احترامًا لجالينوس وتقديرًا.

ولم يدم الحال قطّ على هذه الوتيرة فقد أخذت أعمال وفضائل جالينوس تختفي وتتضاءل تدريجيًا، وذلك عندما أخذ الطبيب الحديث يتحرر من التأملات، ومن ثم أخذت تظهر العلوم المتحررة غير المتأثرة بمؤثرات خارجية، وذلك في أوائل القرن السابع عشر بسبب اكتشاف الدورة الدموية الكبرى على يد الإنجليزي «هارفي».

والواقع أن فكرة الدورة الدموية لم تخطر على بال جالينوس. أما نظرياته الهوائية فقد شرحها كما فحصها في الكبد بمساعدة التدفئة الدخيلة حيث يتحول الطعام إلى دم، يسيل جزء منه في الأوردة ويسير في اتجاه مستقيم إلى جميع الأعضاء والأجهزة إلا أن جزءًا منه يجري في الوريد القلبي ومن ثم الوريد الأجوف الصاعد إلى الجيب الأيمن للقلب. وهنا نجد الحرارة الدخيلة تسبب غليان الهواء وتنقيته، حيث نجد البقايا عبارة عن هباب يتخلص منه عن طريق أوردة الرئتين والرئة والزفير. ومن الجيب الأيمن للقلب يجري جزء من الدم النقي في شرايين الرئة إلى الرئة لتغذيتها. أما البقية الباقية فتتسرب عن طريق المسام الموجودة في الحائط الفاصل للقلب إلى القلب اليسار، حيث يختلط مع هواء الشهيق الذي يجري في أوردة الرئتين، ويتحول هذا الخليط بواسطة الحرارة الدخيلة إلى مصدر الحياة، ويجري في سائر شرايين الجسد.

هذا هو رأي جالينوس في القلب من حيث علم الأحياء، وظل هذا الرأي سائدًا حتى جاء «وليم هارفي» عام ١٦١٦ م وقضى على أخطاء جالينوس وآرائه الخاصة

<<  <   >  >>