للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الطلاب للمستشفى ذات فائدة مزدوجة: الدرس أولا ونظام المستشفى ثانيًا. هكذا كان يتكون الأطباء العرب، ومثل هذا النظام لم يعرفه العالم من قبل اللهم إلا في العصر الحديث فقط. وقد بلغ من حرص الدولة الإسلامية على المصلحة العامة أنها لم تكن تسمح لطبيب بمزاولة ما تخصص فيه من طب إلا بعد أن يؤدي امتحانًا نظريًا وعمليًا وتمنحه الدولة إجازة ينص فيها على مادة تخصصه. ولم يكن هذا التشريع مقصورًا على شرق العالم الإسلامي بل كان له نظيره في الأندلس.

ويذكر المؤرخون أن تاريخ تشريع الحصول على مثل هذه الشهادة يرجع إلى عام ٩٣١ م عندما علم الخليفة المقتدر أن طبيبًا بغداديًا ارتكب خطأ تسبب عنه موت المريض، لذلك أصدر الخليفة أمرًا بإجراء امتحان لسائر الأطباء الذين يزاولون هذه المهنة، ولم يستثن من هذا الامتحان إلا الأطباء الذين يعملون في مستشفيات الدولة، لذلك أمر بتكوين مجلس للأطباء وعين سنان بن ثابت رئيسًا له. ولمعرفة مدى انتشار مهنة الطب وقتذاك يكفي أن نذكر أن عدد أطباء بغداد الذين كانوا يعملون خارج الحكومة بلغ نحو تسعمائة طبيب ... في الوقت الذي لم يكن فيه في كل حوض نهر الرين طبيب واحد. وبعد قرنين من وفاة الطبيب سنان أي في القرن الثاني عشر كان كبير أطباء بغداد هو «ابن التلميذ» المتوفى عام ١١٦٤ م. ومن النوادر التي كانت تقع في الامتحانات في ذلك الوقت ما ذكره ابن أبي أصيبعة في طبقاته عند حديثه عن أمين الدولة «ابن التلميذ» الذي كان قد قلده الخليفة رياسة الطب ببغداد، أنه لما اجتمع إليه سائر الأطباء ليرى ما عند كل منهم من هذه الصناعة كان من جملة من حضره شيخ له هيبة ووقار وعنده سكينة، فأكرمه أمين الدولة، وكانت لذلك الشيخ دربة ما بالمعالجة، ولم يكن عنده من علم صناعة الطب إلا التظاهر بها، فلما انتهى الأمر إليه قال له أمين الدولة: ما السبب في كون الشيخ لم يشارك الجماعة فيما يبحثون فيه حتى نعلم ما عنده من هذه الصناعة؟ فقال: يا سيدنا وهل شيء مما تكلموا فيه إلا وأنا أعلمه، وقد سبق إلى فهمي أضعاف ذلك مرات كثيرة. فقال له أمين الدولة: فعلى من كنت قد قرأت هذه الصناعة؟ فقال الشيخ: يا سيدنا إذا صار الإنسان إلى هذا السن ما يبقى ما يليق به إلا أن يسأل: كم له من التلاميذ، ومن هو المتميز فيهم؟ وأما المشايخ الذين قرأت

<<  <   >  >>