للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وحدثني شمس الدين أبو الفضل بن أبي الكحال المعروف بالمطواع رحمه الله أنه شاهده في البيمارستان، وأن أبا المجد بن أبي الحكم كان يدور على المرضى به، ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك.

قال: وكان بعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي ويجلس في الإيوان الكبير للبيمارستان وجميعه مفروش ويحضر كتب الاشتغال. وكان نور الدين رحمه الله قد وقف على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطبية وكانت في الخورستانين (المدخلين) اللذين في صدر الإيوان، فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون إليه ويقعدون بين يديه ثم تجري مباحث طبية، ويقرئ التلاميذ، ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب مقدار ثلاث ساعات ثم يركب إلى داره. . .

أما المستشفيات الكبرى فقد كانت في نفس الوقت هي المدارس العليا للطب فالمواد التي علمها أبقراط وجالينوس وكبار العلماء العرب كان يتلقنها الأطباء الناشئون في المحاضرات العامة تحت عقود المساجد وفي المدارس الطبية الخاصة التي كان يديرها الأطباء، وكذلك في المستشفيات والعيادات، وبينما كان يكتفى في الأديرة الأوربية ومدارسها بتحصيل العلوم في الكتب إذ بنا هنا في العالم العربي نجد العلوم يقوم بتدريسها علماء عمليون يمارسون الطب بخلاف الحال عند المسيحيين الذين كانوا يلوون ألسنتهم بنظريات جامدة جافة ويتجنبون بطريقة صوفية لمس الكائن الحي.

ففي المستشفيات العربية وحول الأسرة البيضاء كان الطبيب يطبق النظري على العملي، كما كان يستطيع فحص الجسد وتشريحه وفهمه وتقريبه إلى الأذهان.

وابن أبي أصيبعة يحدثنا في طبقاته في عهد دراساته في دمشق، وكيف كان الطلبة يرافقون الأستاذ عند زيارته للمرضى، وكيف كانوا يدرسون عميلًا مختلف الحالات عندما يفحصها الأستاذ ويشخص المرض ويصف العلاج، بل كثيرًا ما كانوا يسمعون المناقشة التي تدور بين رئيس الأطباء وزميل له مشهور، فكانت زيارة

<<  <   >  >>