نفقة البيمارستان هذه الشهور المتتابعة وفي هذا الوقت خاصة من الشتاء واشتداد البرد، فاحتل بكل حيلة لما يطلق لهم ويعجل حتى يدفأ من في البيمارستان من المرضى والممرورين بالدثار والكسوة والفحم، ويقام لهم القوت ويتصل لهم العلاج والخدمة، وأجبني بما يكون منك في ذلك وأنفذ لي عملا يدلني على حجتك واعن بأمر البيمارستان فضل عناية إن شاء الله تعالى.
ومن إيراد هذه الأراضي كانت تدفع كذلك مرتبات الموظفين كما أن مدير المستشفى كان مكلفًا بإعداد سجل لجميع المصاريف اليومية ومنه نتبين ميزانية المستشفى ومرتبات الأطباء وغيرهم وأثمان الأدوية والأجهزة الطبية.
وكان كبير الأطباء هو المسئول عن سائر أطباء المستشفى، وهو يختار عادة من بين زملائه الأطباء حسب مواهبه وكفايته وقدرته. وقبل أن يختار الرازي مثلا رئيسًا للأطباء أثبت أولا تفوقه على مئات من الأطباء المتخصصين في مختلف الأمراض، وكان عدد أطباء المستشفى الذي يديره يبلغ أربعة وعشرين طبيبًا منهم الجرائحيون والكحالون والطبائعيون والمجبريون، وكان كل طبيب يشرف على قسم خاص، كما كانوا يتناوبون الخدمة. وقد كتب ابن أبي أصيبعة الطبيب الشاعر، والذي درس الطب في بلده دمشق كثيرًا، تقريرًا لطبيب عيون قد يصلح أن يكون من إنتاج العصر الذي نعيش فيه:
«أبو المجد بن أبي الحكم هو أفضل الدولة أبو المجد بن أبي الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي من الحكماء المشهورين والعلماء المذكورين والأفاضل في الصناعة الطبية والأماثل في علم الهندسة والنحوم، وكان يعرف الموسيقى ويلعب بالعود ويجيد الغناء والإيقاع والزمر وسائر الآلات، وعمل أرغنًا وبلغ في إتقانه وكان اشتغاله على والده وعلى غيره بصناعة الطب وتميز في علمها وعملها وصار من الأكابر من أهلها، وكان في دولة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله. وكان يرى له ويحترمه ويعرف مقدار علمه وفضله، ولما أنشأ الملك العادل نور الدين البيمارستان الكبير جعل أمر الطب إليه وأطلق له جامكية (مرتبًا) وجراية وكان يتردد إليه ويعالج المرضى فيه».