الواقع أن الإنفاق على مثل هذه المؤسسات العظيمة كان يتطلب إيرادًا منتظمًا ثابتًا ودقيقًا، فالمستشفى المنصوري مثلًا كان يحتاج سنويًا إلى مليون درهم، وكان هذا المبلغ يؤخذ من إيرادات أملاك الدولة التي يرصد دخلها للمستشفى عند الشرع في بنائه.
أما إدارة الأملاك فكانت في يد أناس مشهود لهم بالأمانة والكفاية تستطيع الدولة أن تعتمد عليهم وتراقبهم، كما أن إدارة المستشفى كانت غالبًا في يد أمير. أما السلطان فكان حريصًا على الإلمام بكل ما يجري في المستشفى عن طريق التفتيش أو الاستجواب.
وتعرض مستشفى بدر غلام المعتضد لضائقة مالية فكتب والد ثابت بن سنان رسالة إلى أبي الحسن علي بن عيسى يشكو إليه هذه الحالة ويعرفه ما يحلق المرضى من ضرر:
قال ثابت بن سنان: وكانت النفقة على البيمارستان الذي لبدر العضدي بالمخرم من ارتفاع وقف سجاح أم المتوكل على الله، وكان الوقف في يد أبي الصقر وهب بن محمد الكاذاني، وكان قسط من ارتفاع هذا الوقف يصرف إلى بني هاشم، وقسط إلى نفقة البيمارستان، وكان أبو الصقر يروج على بني هاشم ما لهم ويؤخر ما يصرف إلى نفقة البيمارستان ويضيقه، فكتب والدي إلى أبي الحسن علي بن عيسى يشكو إليه هذه الحال ويعرفه ما يلحق المرضى من الضرر بذلك وقصور ما يقدم لهم من الفحم والمؤن والدثار وغير ذلك عن مقدار حاجتهم، فوقع على ظهر رقعته إلى أبي الصقر توقيعًا نسخته أنت أكرمك الله تقف على ما ذكره، وهو غليظ جدًا، والكلام فيه معك خاصة فيما يقع منك يلزمك وما أحسبك تسلم من الإثم فيه، وقد حكيت عني في الهاشميين قولا لست أذكره وكيف تصرفت الأحوال في زيادة المال أو نقصانه ووفوره أو قصوره، ولا بد من تعديل الحال فيه بين أن تأخذ منه وتعجل للبيمارستان قسطًا، بل هو أحق بالتقديم على غيره لضعف من يلجأ إليه وعظيم النفع به، فعرفني أكرمك الله ما النكتة في قصور المال ونقصانه في تخلف