للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أما مستشفى نوري هذا فقد أسسه الرجل الإنساني الذي كان يعني بشئون رعيته ألا وهو السلطان نور الدين زنكي (١١٤٦ - ١١٧٤)، وقد شيده من فدية حصل عليها لإفراجه عن ملك من ملوك الإفرنج كان قد أسره وسجنه. ومن هنا كانت ترسل الأدوية إلى المنصور قلاوون القائد المصري الشاب عندما أصيب بالقرب من دمشق في مرارته. وبعد شفائه امتطى المنصور صهوة جواده وتوجه إلى المستشفى؛ ومنذ ذلك الوقت طاردته فكرة «واحة السلام» بينما كان يخوض غمار المعارك؛ إنه يذكر القاعة ذات الهواء العليل في المستشفى، ويذكر الأسرة البيضاء ذات الفراش الوثير. فنذر الله أنه -متى اعتلى عرش الحكيم- سيشيد للمرضى مستشفى كهذا. فلما جاءته السلطنة وفّى بوعده ونذره، وأنفق على بناء المستشفى مالًا كثيرًا وشيده في الشارع الممتد بين برجي القاهرة. هذا هو المستشفى المنصوري، وإنه حقًا قصر عظيم مؤثث أحسن تأثيث، وكان أحدث وأكمل مستشفى على سطح الكرة الأرضية.

وليس فقط الخلفاء والسلاطين أو الأثرياء هم الذين شيدو المستشفيات بل كذلك الأطباء مثل: سنان بن ثابت وثابت بن سنان الابن والحفيد للفلكي العظيم ثابت بن قرة، لقد أسس هؤلاء المستشفيات والمصحات ودور الإسعاف المتنقلة، كذلك شيدوا مستشفيات الأسرى. ففي عام ٩٢٣ م أسس الوزير ابن الفرات في بغداد من ماله الخاص مستشفى لموظفيه حيث يعالجهم الأطباء مجانًا. وفي ميافارقين صارع الموت ابنه الحاكم فوعد والدها الطبيب المعالج أنه إذا شفاها قد له وزنها ذهبًا. والطبيب هو زاهد العلماء، وقد استطاع شفاء الفتاة إلا أنه اعتذر عن قبول الذهب ورجا الحاكم أن يشيد بالمال مستشفى، فاستجاب والد الفتاة وهو ناصر الدين وشيد المستشفى وأوقف عليه المال الكثير والأراضي الواسعة للإنفاق عليه.

وكان المرضى يعالجون فيه مجانًا سواء كانوا أغنياء أم فقراء، كما كانوا لا يدفعون شيئًا نظير إقامتهم في المستشفى، وحتى العلاج كان يصرف لهم مجانًا، وعلاوة على ذلك يتناول المرضى الملابس والنقود للإنفاق على الخصوصيات لمدة شهر بعد ترك المستشفى.

<<  <   >  >>