وقد شيد أولئك الملوك الأخيار إلى جانب القصور التي زودوها بمختلف وسائل الأبهة والراحة كثيرًا من دور الخير والبر حيث توفرت فيها وسائل النوم والراحة أو الإقامة حتى لكبار رجال الدولة، كما أن المستشفيات كانت مزودة ببعض قاعات النوم والحمامات المفتوحة للجميع.
ومن أشهر المستشفيات الإسلامية المستشفة الكبير المعروف باسم المنصوري أو دار الشفاء أو مارستان قلاوون، ولما تم بناؤه توجه السلطان في ركب عظيم، ولما بلغ البيمارستان استدعى قدحًا من الشراب فشربه وقال:«قد وقفت هذا على مثلي فمن دوني»، وأوقفه السلطان على الملك والمملوك، والكبير والصغير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند برئه كسوة، ومن مات جهزه وكفن ودفن. ورتب فيه الحكماء الطبائعية والكحالين والجرائحية والمجبرين لمعالجة الرمد والمرضى والمجروحين والمكسورين من الرجال والنساء ورتب الفراشين والفراشات والقومة لخدمة المرضى وإصلاح أماكنهم وتنظيفها وغسل ثيابهم وخدمتهم في الحمام، لكل مريض فرش كامل. ولم يحصر السلطان أثابه الله هذا المكان المبارك بعده في المرضى. بل جعله سبيلًا لكل من يصل إليه في سائر الأوقات من غني وفقير. ولم يقتصر أيضًا على من يقيم به من المرضى بل رتب لمن يطلب وهو في منزله ما يحتاج إليه من الأشربة والأغذية والأدوية.
ويذكر القوم عن أطباء دمشق ضاحكين عن الأمير الفارسي وشهيته في الطعام. فقد زار مرة مستشفى نوري رائحة دجاجة محمرة، فقرر التمارض وأخذ يتردد على المستشفى عدة مرات ففحصه الطبيب المختص فلم يجد به أي أثر لمرض فاحتار الطبيب فسأله هذا الفارسي الجشع سؤالين كشفا للطبيب سر تمارضه إلا أن الطبيب المهذب لم يدع الفرصة تمر دون أن يشير إلى مريضه بالتوجه إلى قسم الأمراض الباطنة ووصف له طعامًا يتناوله مرتين يوميًا وهو عبارة عن فطائر محشوة بالعسل وبداخلها قلوب فراخ وفراخ سمينة وحلوى ومختلف أنواع الأطعمة الشهية اللذيذة، وبعد ثلاثة أيام تلاشت مقاومة المريض وساءت صحته فقال له الطبيب:«ثلاثة أيام كرم عربي؛ وقد انتهت فتوكل في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم».