للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولما زارني صباح اليوم كبير الأطباء ومعه مساعدوه والممرضون وكشف، أملى عليَّ طبيب القسم شيئًا لم أفهمه، وقد شرح لي بعد ذلك أنني قد أغادر السرير غدًا وأترك المستشفى قريبًا. والواقع أنني لا أريد مغادرة المستشفى فكل شيء هنا في غاية النظافة والجمال، فالأسرة وثيرة وأغطيتها من القماش الدمشقي الأبيض وعليها أخرى هشة ناعمة كالقطيفة. وفي كل غرفة ماء جار وبها تدفئة تستخدم شتاء. أما وجبة الطعام فغالبًا ما تتكون من الطيور أو شواء الضأن لأولئك الذين تحتمل صحتهم مثل هذا.

إن جاري قد تمارض نحو أسبوع طالبًا في إطالة البقاء بالمستشفى ليتمتع بلحم صدر الفراخ، إلا أن كبير الأطباء تبينه وأخرجه من المستشفى البارحة بعد أن تبين جودة صحته من أنه أكل رغيفًا وفرخة كاملة. إذن احضر يا والدي قبل أن تعد لي آخر دجاجة!

فالحالة كما يصورها الخطاب نستطيع أن ننسبها إلى القرن العشرين الذي كثيرًا ما نشيد به. والواقع أن هذه الرسالة تصور مستشفى من المستشفيات الكثيرة التي كانت منتشرة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي قبل ألف عام من الهيمالايا إلى البرنات؛ ففي قرطبة نجد في منتصف القرن العاشر خمسين دمشقي. أما بغداد، وقد فاقت غيرها واشتهرت بمستشفياتها منذ عهد هارون الرشيد، فمواقع المستشفيات قد أحسن اختيارها صحيًا، كما زودت جميع غرفها ومحال الغسل بها بالمياه الجارية المأخوذة من نهر دجلة، وكان هذا شيئًا بدهيًا. فعندما شرع السلطان عضد الدولة في بناء مستشفى جديد كلف الطبيب المشهور الرازي اختيار أنسب مكان وأصحه، وأن عضد الدولة استشاره في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه البيمارستان، وأن الرازي أمر بعض غلمانه أن تعلق في كل ناحية من جوانب بغداد شقة لحم؛ ثم اعتبر التي لم يتغير ولم يسهك فيها اللحم بسرعة فأشار بأن يبنى في تلك الناحية، وهو الموضع الذي بنى فيه البيمارستان.

وفي القاهرة لما أراد صلاح الدين تحويل قصر من قصوره إلى المستشفى الناصري اختار من بينها القصر الذي لا تكثر في قاعاته جموع النمل.

<<  <   >  >>