الحركة والتنقل أخذ يتأثر بالحضارة العربية تأثرًا عظيمًا، ولا يعرف هل كان تفاعله مع العلوم العربية جاءه عن طريق بعض خريجي الجامعات العربية الذين كانوا يقيمون في دور الضيافة في «ريشناو» ومعهم بعض الآلات العربية العجيبة والأسطرلابات في أيديهم، وكانوا يتفوهون ببعض الألفاظ العربية والاصطلاحات الفنية التي ترامت إلى سمع هذا المريض المشلول أو حصل عليها من طريق آخر؟ وفي كتب «هرمان» نجد هذه العبارات وتلك الاصطلاحات العربية ولو أنها أحيانًا غامضة مشوهة إلا أنها حية، وإن ظلت غريبة على المطلعين على هذه الكتب.
لقد وصف «هرمان» في كتبه الأسطرلاب وصفًا دقيقًا لكن أحدًا لم يجرؤ ويركب آله لقياس الزمن وإبان العصور المتتالية نجد استخدام الأجهزة الآلية إذ ظل العلماء المسلمون منهمكين في تركيب هذه الآلات وصناعتها وتصديرها إلى بعض أجزاء أوربا المسيحية وعليها العناوين في اللغة اللاتينية. وفي القرن الرابع عشر فقط استطاع الغرب تركيب هذا الجهاز العجيب، فالأسطرلاب لا يمتاز بتحديد الزمان والمكان فقط بل يؤدي خدمات جليلة جدًا للبحارة في عرض البحار والمحيطات.
وفي القرن السادس عشر ازدهرت الآداب والكتب التي اهتمت بالأسطرلاب وصناعته، ولم يأت القرن الثامن عشر إلا وكان البحارة المسيحيون يعتمدون عليه اعتمادًا كليًا في هداية السفن وتوجيهها، وظل الحال كذلك حتى حلت محله أجهزة أخرى.
ولم يقف النشاط العقلي العربي عند هذا بل أقبل العرب على المزولة البسيطة لبطليموس وتفننوا واخترعوا منها أجهزة أخرى جديدة مثل: مزولة الحائط ومزولة السمت والمزولة الأخرى السهلة الحمل وغيرها من الآلات التي تجاوزت الثمانية عشر نوعًا. وكان البيروني يستخدم مزولة حائط قطرها سبعة أمتار ونصف المتر، وهي مزولة أقل بكثير من تلك التي كانت موجودة في مرصد «أولوغ بيك»، إذ يبلغ قطرها أربعين مترًا. وصنع العرب نوعًا جديدًا أيضًا وهو المعروف باسم ذات السدس، وهي آلة بصرية ذات مقياس مدرج على شكل قوس دائري طوله سدس محيط الدائرة تستعمل لقياس الأبعاد «ذات الزوايا»، كما اخترع العرب «ذات الثمن»«الثمينة». وفي أول مرصد بأوربا وهو أورانينبرج لتشيو براها في جزيرة