في هذا المرصد على آله صغيرة في متناول اليد وسهلة الاستعمال، وهي عبارة عن أسطرلاب، وكانت أكثر تداولا بين العرب من القطوع المخروطية. أما ذات الحلقات فكانت تستخدم في المرصد فقط بينما نجد هذه الآلة الصغيرة، بمساعدة كبسولة معدنية، تؤدي أجلّ الخدمات التي تؤديها اليوم لنا ساعة الجيب فبواسطتها يستطيع المسلم تحديد أوقات النهار، فالصلاة والقبلة. كذلك كان من المستطاع بواسطة هذا الجهاز إجراء الحسابات الفلكية فكانت هذه الآلة التي أطلق عليها اليونان اسم ماسك النجوم أحب آلة توقيت عند العرب وأكثرها تنوعًا.
وبينما لم يستخدم اليونان الأسطرلاب إلا في استعمالين أو أكثر قليلًا إذا بنا نجد في كتاب الخوارزمي حول الأسطرلابات ذكر ثلاثة وأربعين نوعًا، وبعد ذلك بزمن قصير نجد مؤلفًا آخر يذكر ما يقرب من ألف ويصفها وصفًا دقيقًا. وقد طور العرب الأسطرلاب وهذبوه كما استعملوه في مختلف الأغراض. وهناك نوع كروي من الأسطرلابات وآخر على شكل العدسة وثالث بيضاوي ورابع على هيئة بطيخة وخامس وكأنه عصا. والشيء الجدير بالذكر أنه يندر أن نجد فلكيا مسلما لم يعن بنبأ الأسطرلابات واستخدامها، وأقبلت أوربا على هذا الأسطرلاب وأخذته، ففي القرن العاشر الميلادي أحضر بعض طلاب العلم المتجولين أولى هذه الآلات الدقيقة ذكرى لدراساتهم الطويلة في الجامعات العربية، وفي النصف الأول من القرن الحادي عشر كتب ألماني كتابين حول فوائد الأسطرلاب، والكتابان يفيضان بالاصطلاحات والآراء العربية.
ومؤلف هذين الكتابين النادرين كان الابن التعس للجراف السويبي «فولفراد» وقد أصيب هذا الابن الشقي عند ولادته بشلل الأطفال فلازم المحفة منذ طفولته، وكان هذا الشلل الذي أصابه في عموده الفقري مؤلما جدا حتى أصبح عاجزا عن تحريك جسده دون مساعدة آخرين. ولما بلغ السابعة من عمره نقل هذا الطفل البائس «هرمان» إلى دير «ريشناو» حيث ظل به حتى بلغ الحادية والأربعين.
لكن بالرغم من هذا الجسم المريض كانت روحه وثابة طموحة مرحة حتى جعلت من «هرمان» المشلول أو كما سمى نفسه «هرمانوس كونتراكتوس» أشهر وأعلم أستاذ في الدير. والشيء الغريب حقًا أن هذا الشخص المشلول العاجز عن