ويبدو أن الشيخ المراغى قد وجه عنايته في هذه المرحلة إلى ازالة الفوارق بين المذاهب الإسلامية فقد أعلن في حفل تكريمه (٤ يوليه ١٩٣٥) العمل على ازالة الفوارق المذهبية أو تضيق شقة الخلاف بينها "فان الامة في محنة من هذا التفرق ومن العصبية لهذه الفرق، ومعروف لدى العلماء أن الرجوع إلى أسباب الخلاف ودراستها بعيدة عن التعصب المذهبى يهدى إلى الحق. وأن بعض المذاهب قد أخذتها السياسة في القرون الماضية لمناصرتها ونشطت أهلها وخلقت فهم تعصبا يساير التعصب السياسى، ثم انقرضت تلك المذاهب السياسية وبقيت تلك الآراء الدينية لا ترتكز على ما يصوغه الخيال وما أقره أهلها: وهذه المذاهب فرقت الأمة التي وحدها القرآن الكريم وجعلها شيعا في الأصول والفروع ونتج عن هذا التفريق حقد وبغضا يلبسان ثوب الدين".
***
[مهمة الأزهر كما يفهمها المراغى]
وليس شك أن الأزهر قد تطور في هذه الفترة تطورا واضحا ملموسا حتى أصبح يمكن القول بأن هناك أزهر قديم وأزهر حديث.
وقد كان هذا مجال سجال طويل، وقد عرض المراغى لهذا الموقف ورسم صورة كاملة لمفهوم الأزهر عنده ومدى الدور الذي أستطاع أن يؤديه بعد أن خرج من ثوبه القديم (الأهرام ٦/ ٥/١٩٣٩).
"من الناس من يقول أن الأزهر القديم كان متمسكا بدينه أكثر من الأزهر الحديث وأنا أقول لهؤلاء: لا، فالأزهر الحديث متمسك بدينه أكثر من الأزهر القديم.
"كل المفاسد الموجودة الآن ليس للأزهر الحديث شأن فيها الا أنه يطلب ازالتها، فقد نظم البغاء وليس للأزهر الحديث أثر فيه، وأبيح الخمر في البلاد وليس للأزهر الحديث شأن فيها، ووجدت البدع في الموالد والأسواق والقبور وليس للأزهر دخل في وجودها.
كل هذا وجد في عهد الأزهر القديم، ولم يرفع صوته طالبا أزالة هذه المنكرات التي استقرت في البلاد كأنها شأن من الشئون القومية والتي يطالب الأزهر الحديث الآن بازالتها. فالأزهر مكبل بآثار الماضى وهو يعانى في سبيل ازالة تلك الآثار ما يعانى.
ولقد اتصل الأزهر الحديث بالناس بالوعظ والارشاد على صفحات الجرائد ليفهمهم دينهم فاستفادت الأمة منه، واستفاد العالم الإسلامي كذلك، اما الأزهر القديم فكان قابعا بين الجدران لا أثر له في الخارج ولا يعرفه الناس الا بطريق السماع كأنه تاريخ من التواريخ.
٢ - الأزهر الحديث لامس الحياة العملية ولم يكن للأزهر القديم شأن فيها، لقد كان الأزهر يحتضر منذ عشر سنوات.
ففى عام ١٩٢٨ أرادت وزارة الأوقاف أن تنشئ مدرسة للوعظ والارشاد وفي ذلك التاريخ كانت هناك مدرسة للقضاء وكانت هناك مدارس للغة العربية فلو أن مدرسة الوعظ والارشاد أنشئت في وزارة الأوقاف لكان علماء الأزهر الآن بين جدران الأزهر كأنهم من الآثار القديمة.
***
[نظم الدراسة]
وقال المراغى: كان أكثر العلماء يطرقون الاحتمالات المتعددة في عبارات الكتب وكان هذا هو كل شئ اشتهروا به في العلم.
وما كان يوجد منهم من يستطيع أن يحاضر في موضوع علمى أو أن يلخص مسألة من المسائل بعبارة يمكن أن تفهم، وما كانوا يعنون بالموضوعات العلمية من جهة الأدلة ومقارنة المذاهب ونقدها بل كانوا يعنون بالألفاظ.
-أما الأزهر الحديث فقد احتفظ من تلك الطرق بما يجب أن يحتفظ به وأضاف إلى ذلك أنه أستطاع ان يحصل العلم تحصيلا حقيقيا وأن يتصل بالبيئات العلمية الأخرى ويجاريها.
وقال المراغى، منذ ثلاثين سنة فكرنا في اعادة خطب للمساجد أحسن من تلك الخطب المطبوعة التي كانت تتلى دائما على الناس ولا تغير وأعلن عن ذلك فجاءنا خمسمائة خطبة لم نستطع أن ننتقى منها واحدة نقول أنها صالحة، أما الآن فقد وجد في الأزهر خطباء ووعاظ ومرشدون يمكنهم أن يرتجلوا الخطب وأن يكتبوها.