للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين، فأنزل عليه في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤]، أي (١): فهنَّ لهم حلالُ إذا انقضتْ عِدَّتُهُنَّ (٢).

فإن قال قائل: فعمومُ الاستثناء يقتضي أن كلَّ مزوجة تَحِلُّ بملكِ اليمين، سواءٌ كانت مَسْبيَّة أو غيرَ مَسْبِيَّةٍ، وثنيةً كانت أو كتابيةً، ويقتضي أن الأختينِ حَلالانِ بملكَ اليمين؛ لأنَّ العبرةَ بعُموم اللفظ لا بخُصوص السبب، ولأن الاستثناءَ راجعٌ إلى الجميعِ عند الأكثرين من أهل العلم بشرائطِ الاستدلال.

قلنا: قد اختلفَ الناسُ في ذلك.

فرأى أبو حنيفة حِلَّ المَسْبيَّةِ المزوَّجَةِ إذا سُبيت منفردةً عن زوجها، سواءٌ تقدّم سَبْيُها أو تأخر، ورأَى تحريمَها إذا سُبيت مع زوجها، وكذا رأى تحريمَ المزوَّجَة المُشْتراة، فحملَ عمومَ الآية على خصوصِ سببها (٣).

ورأى الشافعيُّ حِلَّ المَسْبيةِ مطلقًا؛ إذ العبرةُ عنده بعُموم اللفظ لا بخُصوص السبب، ووافقَهُ في تحريمِ المزوَّجَةِ المشتراة (٤)؛ لأجلِ تخيير النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَريرَةَ بعد العتقِ (٥)؛ لأنها لو طَلُقَتْ بشراءِ عائشةَ، أو بعتقِها، لما خَيَّرَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا قولُ عمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ، وابنِ


(١) "أي "ليست في "أ".
(٢) رواه مسلم (١٤٥٦)، كتاب: الرضاع، باب: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي.
(٣) انظر: "المبسوط" للسرخسي (٥/ ٥٢)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (٢/ ٢٦٨).
(٤) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٥/ ١٥٠)، و"مغني المحتاج" للشربيني (٤/ ٢٢٩).
(٥) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>