للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولاتفاقهما على أنهما لا يخرجان عن رتبة الظنِّ، ولا يتعديان إلى رتبةِ القطع (١).

نعم قد يكونُ في السنن أشياءُ متواترةٌ من طريقِ المعنى، وهي يسيرة جدًا، والله أعلمُ، وبه العصمةُ والتوفيق.

" وأما الوقتُ: فذهبَ جمهورُ أهل العلم من الصحابة والتابعين وفُقهاءِ الأمصار إلى اعتبارِه؛ لما خَرَّجَهُ مسلم عن عائشةَ -رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعندي رجلٌ، فاشتدَّ ذلك عليه، فرأيتُ الغضبَ في وجهه، فقلت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرْنَ مَنْ إخْوانُكُنَّ؛ فإنَّما الرَّضاعَةُ من المَجاعَةِ" (٢)، أي: إن الرضاعةَ إنما تثبُتُ في حَقِّ من يقوم له الرَّضاعُ مقامَ الغِذاء عندَ الجوع (٣).

وأخذ داودُ بظاهر إطلاق الآية، فرضاعُ الكبير عنده يُحَرِّمُ (٤).


(١) بقي أن يقال: ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم، وهلاَّ أُبقيت التلاوة، ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟
وأجاب ابن عقيل عن ذلك فقال: إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي، انتهى. نقله الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (٢/ ٣٧).
قلت: وهذا استنباط مليح، ولعلَّ الإجابة في أمثال هذه المسائل: أنها حكمة الله التي يتعبَّد بها الخلق، والله أعلم.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: "الإشراف" لابن المنذر (٥/ ١١٨ - ١١٩)، و"التمهيد" لابن عبد البر (٨/ ٢٦٠)، و"أحكام القرآن" للجصاص (٢/ ١١٣)، و"المغني" لابن قدامة (٨/ ١٤٢)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٥/ ١٠٩)، و"شرح مسلم" للنووي (١٠/ ٣٥)، و"فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١٤٨).
(٤) قال ابن حزم في "المحلى" (١٠/ ١٧): ورضاع الكبير محرم، ولو أنه شيخ =

<<  <  ج: ص:  >  >>