وقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
قال السدي: (يقول: وإن أرادوا الصلح فأرده).
وقال ابن إسحاق: (أي: إن دعوك إلى السلم - إلى الإسلام - فصالحهم عليه).
قال ابن زيد: ({وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد).
وبنحوه قال قتادة: ({وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ}، قال: للصلح، ونسخها قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}).
قلت: والحق أنه لا دليل على نسخ الآية، فإن آية براءة في الإجهاز على الشرك ومشركي العرب من عبدة الأوثان وعدم قبول الجزية منهم، بعدما استقر الإسلام وقامت دولة الحق في أرجاء الدنيا، وعلى هذه الوصية مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما آية الأنفال - موضع التفسير - {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} فإفه يمكن للإمام قبول الصلح والمهادنة أثناء قتاله وحربه لأعداء الإسلام، إن أظهروا المسالمة والمصالحة والمهادنة والتروي، إن رأى ذلك بحكمته لمصلحة إسلامهم أو لمصلحة جيشه وتقويته لاستئناف مناجزتهم.
وهذا ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية فصالح القوم ووضع الحرب بينه وبينهم بحكمته، وكل ذلك يرجع إلى قرار الإمام.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إنما الإمام جُنَّةٌ، يقاتَلُ مِنْ وَرَائِه، ويُتَّقى به، فإنْ أمَرَ بتقوى الله عز وجل وعَدَلَ، كان له بذلك أجْرٌ، وإنْ يأمُرْ بغيره، كان عليه مِنْه] (١).
وعن ابن إسحاق: ({وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}، إن الله كافيك) - والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال النسفي: ({وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ولا تخف من إبطانهم المكر في جنوحهم إلى السلم، فإن الله كافيك وعاصمك من مكرهم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لأقوالك {الْعَلِيمُ} بأحوالك).
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٨٤١) - كتاب الإمارة - باب: الإمام جُنَّةٌ يقاتل من ورائه ويتقى به.