للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)}.

في هذه الآياتِ: أَمْرُ الله سبحانه عباده المؤمنين باجتناب الخمر والقمار والأنصاب التي يُذبح عندها والأزلام التي يستقسم بها في الجاهلية إذا ما أرادوا الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة. ثم تَوْضِيحٌ لمحاولات الشيطان استخدام تلك المسكرات وألوان القمار للصد عن الذكر والصلاة وضياع الدين. ثم أَمْر منه جل ذكره بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتَحْذِيرٌ من مغبة المخالفة وركوب الأهواء. ثم بَيانُ عفو الله عما مضى من التعاطي من تلك المحرمات إذا ما حصل الانتهاء والتماس التقوى والعمل الصالح والله يحب المحسنين.

أخرج الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال: [نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا ثملوا عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا أخي فلان، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا، حتى وقعت في قلوبهم الضغائن، فأنزل الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. فقال ناس من المتكلفين: هى رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وقتل فلان يوم أحد، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية] (١).

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: [كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ (٢)، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة. فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}] (٣).

الخمر: هو الشراب الذي خامر العقل أي خالطه فستره. ذكره القاسمي. وهو يطلق


(١) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٤/ ١٤١ - ١٤٢)، والبيهقي (٨/ ٢٨٥ - ٢٨٦)، وأخرجه الطبراني كما ذكر الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٨) وقال: ورجاله رجال الصحيح.
(٢) وفي رواية: وما شرابُهم إلا الفضيخ: البسرُ والتمر.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٤٦٤)، (٤٦٢٠)، ومسلم (١٩٨٠)، وأحمد (٣/ ٢٢٧)، وغيرهم. من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>